ما المقصود بالكمبيوتر المركزي؟

وفي جوهرها، تُعتبَر أجهزة الكمبيوتر المركزية أنظمة كمبيوتر عالية الأداء تحتوي على كميات كبيرة من الذاكرة ومعالِجات بيانات قادرة على معالجة مليارات العمليات الحسابية والمعاملات البسيطة في الوقت الفعلي. ويُشكِّل الكمبيوتر المركزي عنصرًا حاسمًا في قواعد البيانات التجارية، وخوادم المعاملات، والتطبيقات التي تتطلّب مستويات عالية من القدرة على التحمّل، والأمان، والمرونة في الاستجابة.

منذ ظهور الإنترنت وانتشار الحوسبة السحابية، قد ينظر بعضهم إلى الكمبيوتر المركزي بوصفه ديناصورًا تقنيًا. لكن العكس هو الصحيح؛ إذ تطوّر الكمبيوتر المركزي لمواكبة التقنيات الأخرى، ولا يزال يضطلع بدورٍ محوري في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات.

وأشار تقرير حديث صادر عن IBM إلى أن 45 من أكبر 50 بنكًا، و4 من أكبر 5 شركات طيران، و7 من أكبر 10 تجّار تجزئة عالميين، و67 من شركات Fortune 100 يعتمدون على الكمبيوتر المركزي بوصفه منصّتهم الأساسية. وعلاوة على ذلك، كشفت دراسة من معهد IBM Institute for Business Value (IBV) أن أجهزة الكمبيوتر المركزية تتعامل مع ما يقرب من 70٪ من أحمال التشغيل الإنتاجية لتكنولوجيا المعلومات في العالم، وأن 70٪ من المديرين التنفيذيين الذين شملهم الاستطلاع يرون أن التطبيقات القائمة على الكمبيوتر المركزي تُشكِّل محور استراتيجيتهم للأعمال.

يشير مصطلح الكمبيوتر المركزي في البداية يشير إلى الخزانة الكبيرة أو "الإطار الرئيسي" الذي يحتوي على وحدة المعالجة المركزية (CPU) في أنظمة الكمبيوتر المبكرة. عمل المُعالج المركزي الكبير كمستودع مركزي للبيانات أو "مركز" يربط محطات العمل أو المحطات الطرفية في مركز معالجة البيانات في المؤسسة. وقد أدى بيئة الحوسبة المركزية إلى بيئة حوسبة أكثر توزيعًا مع صغر حجم أجهزة المُعالج المركزي الكبير وزيادة قدرتها على المعالجة لتصبح أكثر مرونة ومتعددة الأغراض. تقوم أجهزة المُعالج المركزي الكبير الحديثة بمعالجة وتخزين كميات هائلة من البيانات وتُسمى خوادم المؤسسة (أو خوادم البيانات).

كانت أنظمة الكمبيوتر المركزي المبكرة تملأ إطارات معدنية بحجم غرفة يمكن أن تشغل ما بين 2,000 إلى 10,000 قدم مربع. كانت هذه الآلات الضخمة تتطلب كميات هائلة من الطاقة الكهربائية وتكييف الهواء وكميات هائلة من أجهزة الإدخال/الإخراج (I/O). الكمبيوتر المركزي اليوم أصغر من آلات “الحديد الكبير” القديمة وهي بحجم الثلاجة الكبيرة. أحدث النماذج (على سبيل المثال، نظام ™IBM z17 أحادي الإطار مع رف قياسي بحجم 19 بوصة) مصممة للاندماج بسهولة مع البنية التحتية الأخرى لتكنولوجيا المعلومات في مركز البيانات الحديث، سواء كان ذلك في مركز البيانات المحلي في الموقع الفعلي للشركة، أو في مركز البيانات السحابي، أو على منصة السحابة الهجينة.

صُممت الآلة الحاسبة Harvard Mark I، أو آلة الحاسبة ذات التحكم التسلسلي التلقائي من IBM، في عام 1937، وهي تتميز بكونها أول الكمبيوتر المركزي. وقد استخدمت هيئة السفن التابعة للبحرية الأمريكية هذه الآلة خلال الجزء الأخير من الحرب العالمية الثانية لأغراض عسكرية لحل المسائل الرياضية بسرعة.

في عام 1951، بدأت شركة Eckert-Mauchly Computer Corporation (EMCC) في بناء أول كمبيوتر مركزي تجاري، UNIVAC. بعد ذلك بوقت قصير، في عام 1953، قدمت IBM أول كمبيوتر مركزي مصمم للاستخدام التجاري — جهاز معالجة البيانات الإلكتروني IBM Model 701. كان أول كمبيوتر إلكتروني للشركة، وهو 701 أسرع من سابقيه بحوالي 25 إلى 50 ضعفًا تقريبًا، مع تقدم سريع في قوة الحوسبة وسعة الذاكرة وصغر الحجم.

وشملت الشركات الأمريكية الأخرى المصنعة لأجهزة الكمبيوتر التجارية واسعة النطاق خلال الخمسينيات من القرن الماضي شركات Burroughs و Datamatic و GE و RCA و Filco.

طُرح أول جهاز كمبيوتر مركزي حديث، IBM System/360، إلى السوق في عام 1964. وخلال عامين، هيمن System/360 على سوق الكمبيوتر المركزي كمعيار صناعي. قبل استخدام هذا الجهاز، كان يجب كتابة البرنامج خصيصًا لكل جهاز جديد، ولم تكن هناك شركات برامج تجارية. قام System/360 بفصل البرامج عن الأجهزة ولأول مرة، يمكن تشغيل البرامج المكتوبة لجهاز واحد على أي جهاز آخر في السلسلة.

بينما يربط الكثيرون المحاكاة الافتراضية بالحوسبة السحابية، بدأت تقنية المحاكاة الافتراضية التجارية على الكمبيوتر المركزي كطريقة لتقسيم موارد النظام منطقيًا لمشاركتها بين مجموعة كبيرة من المستخدمين. قبل المحاكاة الافتراضية، استخدم متخصصو تكنولوجيا المعلومات في الكمبيوتر المركزي قواطع المفاتيح والمهام المجمعة ونظام تشغيل واحد لتنفيذ عمليات تكنولوجيا المعلومات. في عام 1964، أطلقت شركة IBM نظام CP/CMS.  احتوى هذا النظام الخفيف للمستخدم الواحد على أول جهاز مراقبة الأجهزة الافتراضية (hypervisor)، الذي أنشأ الأجهزة الافتراضية (VMs)، والذي قام بمحاكاة الأجهزة الأساسية—مما يزيد من الكفاءة ويقلل التكاليف.

تم تقديم IBM System/370 في عام 1970، والذي مثل أول تحول لشركة IBM عن تقنية النواة الحديدية المغناطيسية إلى رقائق الذاكرة السيليكونية لتخزين البيانات والتعليمات نظرًا لأنها قدمت سرعات تشغيل أسرع وتطلبت مساحة أقل بكثير. بعد ستة أشهر من إطلاق نظام System / 370، ظهرت عبارة "Silic Valle" لأول مرة في عدد المطبوعات في عدد من مجلة Electronic News.

شملت الشركات المصنعة الهامة الأخرى في سوق أجهزة الحواسيب المركزية خلال السبعينيات والثمانينيات كلًا من Fujitsu، و Hewlett-Packard و Hitachi و Honeywell و RCA و Siemens، و Sperry Univac. خلال هذه الفترة، استمر قطاع أجهزة الكمبيوتر المركزية في التقدم مع ظهور أجهزة أصغر حجمًا، وتحسينات في أداء الإدخال/الإخراج، وزيادة كبيرة في الذاكرة، ومعالجات متعددة، مما سمح بزيادة وظائفها وقدراتها.

في تسعينيات القرن العشرين، ومع تسارع استخدام الكمبيوتر الشخصي وغيره من التقنيات، توقع بعض المحللين نهاية الكمبيوتر المركزي. وفي عام 1991، قال المحلل Stewart Alsop من InfoWorld مقولته الشهيرة: "أتوقع أن يتم فصل آخر كمبيوتر المركزي في 15 من مارس 1996".

ومع ذلك، لا يزال الكمبيوتر المركزي قائماً كبنية تحتية لتكنولوجيا المعلومات عبر الصناعات. في أبريل من هذا العام (2025)، كشفت IBM عن أحدث جيل من IBM Z— z17، الذي يتميز بمعالج IBM Telum™ II، الذي يدمج الذكاء الاصطناعي في السحابة الهجينة لتحسين الأداء والأمان والمرونة حيث توجد البيانات.

كانت أجهزة الكمبيوتر المركزية المبكرة مثل S/360 تحتوي على معالج واحد أو وحدة معالجة مركزية (CPU)، بينما تحتوي أجهزة الكمبيوتر المركزية الحالية على مجمع معالجات مركزية (CPC) يتكون من معالجات متخصصة مصممة لأغراض محددة.

يحتوي الكمبيوتر المركزي الحديث على بطاقات شبكة وتشفير وتخزين وضغط البيانات، مزودة بمعالجاتها الخاصة وذاكرتها. كما يستضيف معالجات مساعدة للنظام (SAP) التي تسرع نقل البيانات بين نظام التشغيل وأجهزة الإدخال/الإخراج (I/O) ومعالجات لتشغيل أنظمة ™Linux و ™Java وأحمال تشغيل أخرى. يتيح هذا الإعداد للكمبيوتر المركزي تحقيق أقصى استفادة بشكل مستمر مع معالجة أحجام الإنتاجية العالية.

العدد الكبير من المعالجات في تقنية الكمبيوتر المركزي يدعم الشركات عبر مختلف القطاعات (مثل الوكالات الحكومية، وشركات المرافق، والمؤسسات المالية، ومؤسسات الرعاية الصحية) التي تعتمد على معالجة المعاملات واسعة النطاق للتعامل مع أحمال تشغيل بيانات ضخمة، ومعاملات مالية عالية الحجم، وغيرها الكثير. كما تم تصميم حلول الكمبيوتر المركزي الحديثة لدعم الحوسبة السحابية، وإدارة البيانات، وتحليلات البيانات الكبيرة، والذكاء الاصطناعي (AI) وحوسبة Quantum، مع امتدادات وطبقات تكاملية تتكامل مع الأنظمة الأساسية.

تتمحور القيمة طويلة الأمد المرتبطة بأجهزة الكمبيوتر المركزي حول الموثوقية والتوافر وإمكانية الخدمة (RAS).

توفر أجهزة الكمبيوتر المركزي الحديثة أيضًا الفوائد الفريدة التالية.

الكمبيوتر المركزي يعمل كخادم لتخزين ومعالجة البيانات بسرعات عالية ويمكنه تنفيذ ملايين التعليمات في وقت واحد. في المقابل، فإن أجهزة الكمبيوتر الفائقة أسرع بكثير، وقادرة على تنفيذ مليارات العمليات الحسابية ذات الفاصلة العائمة في الثانية الواحدة. يمكن لأجهزة الكمبيوتر الفائقة أداء أعمال الحوسبة المكثفة الضخمة مثل التنبؤ بالطقس، وبحوث المناخ، والنمذجة الجزيئية، والمحاكاة الفيزيائية وغيرها الكثير.

تتبنى المؤسسات اليوم البنى السحابية والبنى الموزعة التي تدعم الابتكار الرقمي لتحقيق ميزة تنافسية. فالبيئات القائمة على السحابة لا تُعدّ بديلاً عن أجهزة الكمبيوتر المركزي.

بدلاً من ذلك، اندمج النظامان لتشكيل استراتيجية تحول رقمي شاملة. وتحقيقًا لهذه الغاية، أصبح تحديث التطبيقات المستندة إلى أنظمة الكمبيوتر المركزي جزءًا أساسيًا من نهج السحابة الهجينة  للمؤسسات اليوم، والذي يجمع ويوحّد بيئات التشغيل المحلية والسحابية العامة، والسحابية الخاصة وبيئات الحافة لإنشاء بنية تحتية واحدة مرنة لتكنولوجيا المعلومات.

من خلال دمج وتوسيع قدرات الكمبيوتر المركزي في بيئة سحابية هجينة، يمكن للشركات اختيار أفضل بيئة لأعباء عملها (سواء في السحابة أو محليًا) لتحقيق أقصى استفادة من الابتكارات والتطورات التقنية والأمان والمرونة لكل منصة. على سبيل المثال، يمكن لشركة طيران إنشاء تطبيق للعملاء لإدارة معلومات رحلاتهم، مثل معلومات الحجز المستندة إلى السحابة. ويمكن للخدمة أيضًا الوصول إلى البيانات الموجودة على أجهزة الكمبيوتر المركزي، مثل التغييرات في مواعيد وصول ومغادرة الرحلات. لا تحل هذه الخدمة محل القدرات الحالية للكمبيوتر المركزي أو تحسنها. لكنها تسمح للعميل بالاستفادة من أفضل ما في النظامين: حيث تكون البيانات موجودة في السحابة وموجودة محليًا.

تحديث التطبيقات—عملية تحويل التطبيقات القديمة المتجانسة إلى تطبيقات سحابية مبنية على بنية الخدمات المُصغَّرة—يبدأ بتقييم التطبيقات القديمة الحالية والبيانات والبنية التحتية وتطبيق استراتيجية التحديث المناسبة لتحقيق النتيجة المرجوة. في حين أنه من الممكن رفع ونقل التطبيقات، فإن إعادة هيكلة التطبيق للاستفادة من تقنيات السحابة الأصلية (على سبيل المثال، الحاويات و Kubernetes) يمكن أن توفر قيمة تجارية أكبر غالبًا.

اليوم يعمل تحديث تطبيقات الكمبيوتر المركزي جنبًا إلى جنب مع عمليات التطوير، وهي مجموعة من العمليات والممارسات التي تهدف إلى أتمتة عمل فرق تطوير البرمجيات وفرق عمليات تكنولوجيا المعلومات. في استطلاع حديث أجرته شركة IDC، أفادت 82٪ من المؤسسات بأنها تتخذ خطوات لإعطاء الأولوية لاستخدام أدوات تطوير التطبيقات نفسها عبر البيئات المعتمدة على الكمبيوتر المركزي وبيئات السحابة الأصلية. تستفيد فرق التطوير من ممارسات عمليات التطوير وعمليات التطوير والأمن والعمليات (Devsecops)، وتُقدِّم التطبيقات عبر مسارات مؤتمتة ومتكاملة تتيح طرح إصدارات البرمجيات وتحديثاتها بسرعة أكبر وبقدر أعلى من المرونة عبر بيئات سحابة هجينة مستهدفة.

أصبحت الاستدامة ضرورة عملية. نظرا لأن مراكز البيانات تمثل ما يقرب من 1٪ من استهلاك الطاقة العالمي، تبحث المؤسسات الكبيرة عن طرق لتقليل استخدام طاقة تكنولوجيا المعلومات كجزء من مبادرات الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات لديها. تستهلك الكمبيوترات المركزية الحديثة طاقة أقل وتشغل مساحة أقل، مما يساعد على تحسين كفاءة مركز البيانات.

في تقرير صادر عن Allied Market Research، بلغت قيمة سوق الكمبيوتر المركزي العالمي 2,9 مليار دولار أمريكي في عام 2022 ومن المتوقع أن تصل إلى 5,6 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2032، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 7.3%.

فيما يلي بعض الأمثلة على الصناعات التي تعتمد على الكمبيوتر المركزي.