الحوسبة المعرفيّة هي مجال متنامٍ في علوم الكمبيوتر، يُستخدم فيه نماذج حاسوبية لمحاكاة الإدراك البشري أو أنواع أخرى من عمليات التفكير البشري لحلّ مشكلات معقّدة قد تكون إجاباتها غامضة أو غير مؤكدة أو غير محددة.
وبالاستناد إلى أطر عمل واسعة في الذكاء الاصطناعي (AI) ومعالجة الإشارات، تجمع الحوسبة المعرفيّة بين عدد من تخصصات التعلم الآلي ومبادئ التفاعل بين الإنسان والكمبيوتر، وتقنيات الحوار وتوليد السرد، لإنشاء أنظمة يمكنها التعلّم والاستدلال والفهم بطريقة حاكي الأسلوب البشري. تستطيع أنظمة الحوسبة المعرفيّة الفعالة معالجة كميات ضخمة من البيانات لاكتشاف أنماط وعلاقات تتجاوز قدرات الإنسان.
ورغم تفوّق أجهزة الكمبيوتر على البشر في العديد من المجالات، لا تزال حتى الأنظمة المتقدّمة من الذكاء الاصطناعي تُواجه صعوبات في مهام مثل فهم اللغة الطبيعية أو التعرف على كائنات محددة. تهدف الحوسبة المعرفيّة إلى محاكاة الأنظمة الإدراكية في الدماغ البشري، مثل تمييز الأنماط أو التعرف على الكلام—بغرض دعم اتخاذ القرار وتحسينه. يمكن تصميم أنظمة الحوسبة المعرفيّة بحيث تستخدم مجموعات بيانات ديناميكية في الوقت الفعلي، وتجمع بين مصادر معلومات متعددة، بما في ذلك مدخلات حسّية مثل البيانات البصرية أو الحركية أو السمعية أو المأخوذة من مستشعرات.
تتضمن بعض حالات الاستخدام الواقعية للحوسبة المعرفية تحليل المشاعر، وتقييم المخاطر، وأشكال تمييز الصور، مثل التعرف على الوجوه أو التعرّف على الأشياء. وتعد الحوسبة المعرفية ذات قيمة خاصة في مجالات الروبوتات والرعاية الصحية والخدمات البنكية والتمويل والبيع بالتجزئة.
النشرة الإخبارية الخاصة بالمجال
ابقَ على اطلاع دومًا بأهم—اتجاهات المجال وأكثرها إثارة للفضول—بشأن الذكاء الاصطناعي والأتمتة والبيانات وغيرها الكثير مع نشرة Think الإخبارية. راجع بيان الخصوصية لشركة IBM.
سيتم تسليم اشتراكك باللغة الإنجليزية. ستجد رابط إلغاء الاشتراك في كل رسالة إخبارية. يمكنك إدارة اشتراكاتك أو إلغاء اشتراكك هنا. راجع بيان خصوصية IBM لمزيد من المعلومات.
يتمثل الهدف الشامل من الحوسبة المعرفيّة في تطوير أنظمة قادرة على حلّ مشكلات معقّدة ومتعددة الخطوات تتطلّب عادة الإدراك البشري. وتشمل هذه المشكلات عادة تمييز أنماط عالية المستوى تعتمد على السياق. فعند التعامل مع تفسير اللغة أو الصور مثلًا، يكون البشر بارعين في فهم القرائن السياقية التي تدعم اتخاذ القرار بدقة. أما بالنسبة للأنظمة المعتمدة على القواعد، فمثل هذه المهام تمثّل تحديًا كبيرًا.
وعلى عكس الأنظمة التقليدية، صُممت أنظمة الحوسبة المعرفيّة لتحليل كميات كبيرة من البيانات غير المنظمة من مصادر متعددة، بهدف استخراج رؤى دقيقة وقيّمة باستخدام قدرات متقدّمة في تمييز الأنماط. تستطيع الأنظمة المعرفيّة تفسير النصوص (بأنواع خطوط مختلفة)، وتحليل الصور، وفهم الكلام، بل والربط بين أنواع متباينة من البيانات. كما يمكن لهذه الأنواع من الأنظمة التحسّن بمرور الوقت، بما يُحاكي طريقة تعلّم الإنسان.
وتعتمد نماذج الحوسبة المعرفيّة غالبًا على الشبكات العصبية، وهي نوع من نماذج الذكاء الاصطناعي يستخدم طبقات من العُقد (أو الخلايا العصبية الاصطناعية) مستوحاة من المسارات العصبية في الدماغ البشري. وتستطيع هذه الشبكات تحسين أدائها من خلال التعلم من كل جزء من البيانات التي تتم تغذيتها بها، بهدف تحسين عملية اتخاذ القرار.
ورغم أن الشبكات العصبية فعالة جدًا في مهام معينة، غالبًا ما تدمج أنظمة الحوسبة المعرفيّة تقنيات أخرى مدعومة بالذكاء الاصطناعي، مثل معالجة اللغة الطبيعية والتعلم الآلي، لفهم الإشارات والمدخلات المختلفة وتفسيرها بدقة أكبر.
وقد صُممت أنظمة الحوسبة المعرفيّة لتجمع كميات كبيرة من البيانات من أنواع مختلفة من المصادر. لتحليل مدخلات متعددة، وأحيانًا متعارضة، وتقييمها، ثم استخلاص استنتاجات مدروسة استنادًا إلى السياق المتعلَّم، تستخدم أنظمة الحوسبة المعرفيّة تقنيات تعلُّم ذاتي مصمَّمة لمحاكاة الذكاء البشري. تشمل هذه الأساليب كلاً من التحليلات التنبؤية، وتحليل البيانات، والتنقيب في البيانات الكبيرة، ونماذج مختلفة من تمييز الأنماط، بهدف تحسين عملية اتخاذ القرار.
يتطلّب تدريب أنواع خوارزميات التعلم الآلي المستخدمة في أنظمة الحوسبة المعرفيّة كميات هائلة من البيانات المنظمة والبيانات غير المنظمة. وخلال مرحلة التدريب، تبدأ هذه الأنظمة في التعرف على أنماط متكرّرة، وتعمل مع مرور الوقت على تحسين تقنيات معالجة البيانات الخاصة بها من أجل تحقيق ربط أسرع وأكثر دقة بين المعلومات.
فعلى سبيل المثال، يمكن تدريب نظام ذكاء اصطناعي على تمييز أنواع مختلفة من الزهور من خلال تزويده بقاعدة بيانات تحتوي على مئات الآلاف من صور الزهور. وكلما عُرض عليه المزيد من البيانات، زادت قدرته على تمييز أوجه التشابه والاختلاف بين أنواع الزهور، وازدادت دقّته وسرعته.
لكن، إذا اقتصر التدريب على صور الزهور فقط، فقد يُخطئ النظام في تفسير بعض القرائن السياقية التي لا يمكن للصور وحدها أن تنقلها. ومن أجل تحقيق قدرات معرفية تشبه آلية اتخاذ القرار البشري، لا بدّ لأنظمة الحوسبة المعرفيّة أن تدمج أنواعًا متعددة من التقنيات، وأن تتحلّى بسمات معينة. ولكي يُصنّف النظام ضمن فئة الأنظمة المعرفيّة، لا بدّ أن تتوفّر فيه الخصائص التالية:
يجب أن تكون الأنظمة المعرفيّة قادرة على التفاعل والتكيّف مع تغيّرات المعلومات، وأن تكون مرنة بما يكفي للتعامل مع أنواع مختلفة من التحديات. ويجب أن تعالج البيانات الديناميكية في الوقت الفعلي، وأن تتكيّف مع التغيّرات المحتملة في البيانات أو البيئة.
يُعد التفاعل بين الإنسان والكمبيوتر عنصرًا أساسيًا في الأنظمة المعرفيّة. يجب أن تكون الأنظمة سريعة الاستجابة بحيث تُمكّن المستخدم من ضبط تعليماته وفق تغيّر احتياجاته. كما يجب أن تكون قادرة على التفاعل مع تقنيات أخرى، مثل أجهزة إنترنت الأشياء (IoT) ومنصّات الحوسبة السحابية.
يجب أن تكون منصّات الحوسبة المعرفيّة قادرة على التكرار، أي على تمييز المشكلات الفريدة أو أنماط المشكلات المختلفة. كما يجب أن تكون قادرة على طرح أسئلة توضيحية أو معرفة متى تسحب معلومات إضافية من مصادر جديدة أو مختلفة. ولكي تتمكّن من حلّ مشكلات متعددة الخطوات بهذه الطريقة، ينبغي أن تكون قادرة على الاحتفاظ بالحالة، أي على حفظ المعلومات ذات الصلة بالمواقف المشابهة التي حدثت سابقًا، والعودة إليها عند الحاجة.
يُعد فهم السياق عنصرًا جوهريًا في الإدراك البشري. ولكي تكون الأنظمة المعرفيّة قادرة على حل المشكلات بطريقة شبيهة بالبشر، يجب أن تكون قادرة على استخراج وتحديد المعلومات السياقية، مثل بناء الجملة والزمن والموقع والمجال والملفات الشخصية والمهام والاحتياجات الخاصة بالمستخدم. يجب أن تفهم الأنظمة المعرفيّة السياق الذي تُعرض فيه البيانات، وكذلك السياق الذي تُصاغ فيه المشكلات.
تُبنى أنظمة الحوسبة المعرفيّة من خلال دمج أنواع متعدّدة من النماذج الحاسوبية في نظام هجين يمكنه تقريب عمليات التفكير البشري والذكاء البشري بدرجة أكبر. تشمل هذه النماذج أنواعًا مختلفة من الذكاء الاصطناعي ونماذج ذكاء اصطناعي ذات صلة به أو مجاورة له من حيث المفهوم.
وقد أدّت التطورات الأخيرة في تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى تأثير كبير على تطبيقات الحوسبة المعرفيّة، بداية من البرامج التوليدية مثل ChatGPT وMidjourney، وصولًا إلى السيارات الذاتية القيادة وما بعدها. تشمل بعض الاستخدامات الواقعية الشائعة للحوسبة المعرفيّة جوانب متعدّدة، مثل:
تعتمد مساعدات الذكاء الاصطناعي الافتراضية الشهيرة، مثل Alexa وSiri وGoogle Assistant، على الحوسبة المعرفيّة لتعزيز فاعليتها من خلال الأتمتة والتفاعل مع المستخدم. تستخدم هذه المساعدات أنظمة التعلم الآلي لمعالجة اللغة الطبيعية وتخصيص الاقتراحات لتقديم نتائج أفضل تتناسب مع تفضيلات كل مستخدم.
أثبتت أنظمة الحوسبة المعرفيّة جدواها في تطبيقات القطاع المصرفي والمالي. وتُستخدم هذه الأنظمة لمراقبة المتغيرات الاقتصادية مثل سلاسل التوريد واتجاهات السوق، بهدف التنبؤ بالفرص المستقبلية ونمذجة الأزمات المحتملة.
برهنت الأنظمة المعرفيّة على كفاءتها العالية في تحليلات البيانات المتعمقة وتمييز الأنماط. وقد تم استغلال هذه القدرات على نحو فعّال، خصوصًا في مجال الأمن السيبراني، حيث يستخدمها المتخصّصون لتحليل سلوك المستخدمين—مثل أنماط المعاملات المالية—لرصد مؤشرات الاحتيال المحتمل والمخاطر.
كما أثبتت الحوسبة المعرفيّة فائدتها في مجال البيع بالتجزئة. فالشركات الرائدة تقنيًا، مثل Amazon وNetflix، تستخدم هذه الأنظمة لاكتساب رؤى أعمق حول تاريخ الشراء لدى المستخدمين، وتقديم توصيات للمنتجات تتماشى مع اهتماماتهم الشخصية.
كذلك تُستخدم الأنظمة المعرفية في خدمة العملاء عبر مختلف الصناعات، حيث تدعم روبوتات المحادثة المتقدّمة لتعمل بوصفها وكلاء افتراضيين. وتقدّم هذه الوكلاء دعمًا تفصيليًا ودقيقًا، وبمستوى من السرعة والنطاق لم يكن ممكنًا من قبل.
ومن أبرز الأنظمة المعرفيّة المعروفة عالميًا، يبرز IBM Watson®، الذي حقّق شهرة واسعة بعد مشاركته في برنامج المسابقات التلفزيوني الأمريكي الشهير Jeopardy!، وكان Deep Blue، السلف المباشر لنظام Watson، قد صدم العالم في وقت سابق عندما أصبح أول نظام حاسوبي يهزم بطل العالم في الشطرنج.
أما النسخة الحالية IBM watsonx® فهي أكثر تقدمًا وتأثيرًا. ومن أبرز حالات الاستخدام، يبرز قطاع الرعاية الصحية، حيث ساعد watsonx مقدّمي الرعاية على تحسين تشخيص الأمراض. ويتميّز watsonx بالقدرة على استيعاب وفهم أحدث الأبحاث الطبية وأكثرها تعقيدًا، إلى جانب السجلات الطبية للمرضى، وتمكن من تقديم خطط علاجية مقترحة ساعدت على تعزيز جودة الرعاية الصحية المقدَّمة.