يعني صافي الانبعاثات الصفري الوصول إلى حالة يتم فيها إزالة كمية كافية من انبعاثات غازات الدفيئة من الغلاف الجوي لتعويض ما تنتجه الأنشطة البشرية.
النشرة الإخبارية الخاصة بالمجال
ابقَ على اطلاع دائم على أبرز الاتجاهات في مجالات الذكاء الاصطناعي، والأتمتة، والبيانات، وغيرها الكثير من خلال رسالة Think الإخبارية. راجع بيان الخصوصية لشركة IBM.
سيصلك محتوى الاشتراك باللغة الإنجليزية. ستجد رابط إلغاء الاشتراك في كل رسالة إخبارية. يمكنك إدارة اشتراكاتك أو إلغاء اشتراكك من هنا. لمزيد من المعلومات، راجع بيان خصوصية IBM.
يساهم النقل وإنتاج الطاقة (وخاصة حرق الوقود الأحفوري) والعمليات الصناعية في إطلاق ثاني أكسيد الكربون والميثان وغيرها من الغازات المعروفة باسم غازات الدفيئة (GHGs). وتعمل هذه الغازات على احتباس الحرارة داخل الغلاف الجوي للأرض، مما يسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي. يتطلّب الوصول إلى صافي انبعاثات صفري أن تتخذ الدول والمجتمعات والشركات خطوات نحو إزالة الكربون. ويعني ذلك ضرورة موازنة الانبعاثات التي تنتجها من خلال إزالة كمية مماثلة بوسائل طبيعية أو صناعية، مثل استخدام مصادر الطاقة المتجددة وتطبيق تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه.
وقد ارتفعت درجة حرارة الأرض بالفعل بمقدار درجة مئوية واحدة فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وتزداد آثار تغيّر المناخ حدّةً عامًا بعد عام. ومن دون اتخاذ خطوات لإبطاء تغيّر المناخ، سيواجه الكوكب عواقب كارثية، مثل الظواهر الجوية الشديدة، وارتفاع منسوب البحار، ونقص الغذاء.
وذكرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ (IPCC) أنه للحد من الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرنهايت) فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وهي العتبة التي تصبح بعدها آثار تغيّر المناخ أشدّ بكثير، يجب الوصول إلى صافي صفري لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون (CO2) عالميًا بحلول نحو عام 2050. ويرى المؤيدون أن تحقيق صافي انبعاثات صفري من شأنه إبطاء ارتفاع درجات الحرارة، وخلق فرص اقتصادية جديدة، وتحسين الصحة العامة، والمساهمة في بيئة أفضل للأجيال القادمة.
وقد تطوّر مفهوم صافي الانبعاثات الصفري خلال العقود القليلة الماضية، لكنه اكتسب زخمًا كبيرًا في السنوات الأخيرة مع تزايد القلق العالمي بشأن تغيّر المناخ.
ترجع جذور فكرة موازنة الانبعاثات لتحقيق تأثير صافٍ صفري إلى النقاشات المبكرة حول تغيّر المناخ والاستدامة. وبدأ المصطلح بالظهور في الأدبيات العلمية والخطاب السياسي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، غالبًا في سياق كفاءة الطاقة واستراتيجيات الطاقة المتجددة. وفي العقد الأول من الألفية، اكتسب مفهوم الحياد الكربوني شعبية متزايدة. وكان يقوم، مثل صافي الانبعاثات الصفري، على فكرة إمكانية موازنة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من خلال امتصاص كمية مكافئة من الغلاف الجوي. بدأت العديد من الشركات والمؤسسات في الإعلان عن التزاماتها الخاصة بالحياد الكربوني.
في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ لعام 2015 (COP21)، التزمت الدول من مختلف أنحاء العالم والأطراف المعنية الآخرون باتفاقية باريس، وهي معاهدة دولية تاريخية وضعت إطارًا عالميًا للمساعدة في الحد من ارتفاع حرارة الأرض إلى أقل من درجتين مئويتين (3.6 درجات فهرنهايت) فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، مع هدف طويل الأجل يتمثّل في قصر الارتفاع على 1.5 درجة مئوية (2.7 درجات فهرنهايت). ولتحقيق ذلك، أقرت الاتفاقية بضرورة أن تصل الانبعاثات العالمية إلى مستوى الصافي الصفـري في النصف الثاني من هذا القرن. وفي عام 2018، أصدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ (IPCC) تقريرًا خاصًا عن آثار الاحترار العالمي، أشارت فيه إلى ضرورة خفض صافي الانبعاثات العالمية لثاني أكسيد الكربون الناجمة عن الأنشطة البشرية بنحو 45٪ مقارنة بمستويات عام 2010 بحلول عام 2030، على أن نصل إلى صافي انبعاثات صفري تقريبًا بحلول عام 2050.
واعتبارًا من عام 2024، حددت أكثر من 140 دولة أهدافًا لصافي الانبعاثات الصفري تغطي نحو 88٪ من الانبعاثات العالمية. كما انضمّت أكثر من 9,000 شركة، و1,000 مدينة، و1,000 مؤسسة تعليمية، و600 مؤسسة مالية إلى حملة الأمم المتحدة «السباق إلى الصفر»، متعهّدة باتخاذ إجراءات صارمة وفورية لخفض الانبعاثات العالمية إلى النصف بحلول عام 2030.1
تُحدَّد أهداف صافي الانبعاثات الصفرية استنادًا إلى فهم شامل لانبعاثات غازات الدفيئة (GHG) الخاصة بكل دولة أو مؤسسة، وإمكانات خفض هذه الانبعاثات وتعويضها. وتتمثّل الخطوة الأولى في إجراء جرد لخط الأساس الخاص بالانبعاثات، أو ما يُعرف باسم حساب كميات الكربون، وذلك من خلال حساب المستوى الحالي لانبعاثات غازات الدفيئة، بما في ذلك: انبعاثات النطاق 1 (الانبعاثات المباشرة من المصادر المملوكة أو الخاضعة للسيطرة)، وانبعاثات النطاق 2 (الانبعاثات غير المباشرة الناتجة عن توليد الطاقة المشتراة)، وانبعاثات النطاق 3 (الانبعاثات غير المباشرة التي تحدث عبر سلسلة التوريد).
هناك عدة مبادرات وتعاونات دولية تساعد في وضع الأهداف. تُعد مبادرة الأهداف العلمية (SBTi) تعاونًا بين مشروع الإفصاح عن الكربون (CDP)، والميثاق العالمي للأمم المتحدة (UNGC)، ومعهد الموارد العالمية (WRI)، والصندوق العالمي للطبيعة (WWF)، وتهدف إلى مساعدة الشركات على استخدام الأبحاث والبيانات لوضع أهداف خفض الانبعاثات بما يتوافق مع ما تؤكده العلوم بشأن الحد من الاحتباس الحراري. وتوفر مبادرة SBTi إطار عمل وإرشادات تُمكّن الشركات من تطوير أهدافها والتحقق من صحتها، بما يضمن توافقها مع أحدث العلوم المناخية. كما تستند الأهداف أيضًا إلى أحكام اتفاقية باريس، التي تنص على أن على الدول تقديم "المساهمات المحددة وطنيًا" (NDCs) التي تُوضّح خططها للعمل المناخي. وقد وضعت بعض الدول كذلك استراتيجيات تمتد إلى منتصف القرن توضّح رؤيتها طويلة الأجل لتحقيق صافي الانبعاثات الصفري، بينما تعتمد الشركات على مساهمات الأطراف المعنية في توجيه عملية وضع الأهداف.
وبعد ذلك، يجري إعداد خطة لخفض الانبعاثات. وقد تشمل هذه الخطة زيادة كفاءة الطاقة، والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، وتحسين إدارة النفايات، وتغيير أساليب النقل، أو التعويض من خلال مشاريع إزالة الكربون مثل إعادة التشجير. وتُعد جهود إزالة الكربون محورًا أساسيًا في المساعي الرامية لتحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفري.
وبمجرد تحديد أهداف خفض الانبعاثات، يتطلب تحقيقها مراقبة مستمرة وتقديم تقارير منتظمة، بما في ذلك تتبّع الانبعاثات مع مرور الوقت وإجراء التعديلات اللازمة على الاستراتيجية. ولتعزيز المصداقية والشفافية، تختار العديد من المؤسسات إخضاع بيانات الانبعاثات واستراتيجيات خفضها لمراجعة طرف ثالث.
يُستخدم مصطلحا "صافي الانبعاثات الصفري" "والحياد الكربوني" أحيانًا بالتبادل، إلا أن بينهما اختلافات. فكلاهما يشير إلى الجهود الرامية إلى موازنة انبعاثات غازات الدفيئة، لكن الحياد الكربوني يسمح للمنظمات بتعويض انبعاثاتها ببساطة، دون أن تكون مضطرة بالضرورة إلى خفض الكمية التي تولّدها في الأصل. أما صافي الانبعاثات الصفري، فيتحقق من خلال خفض الانبعاثات الإجمالية أولًا، ثم استخدام التعويضات فقط للانبعاثات المتبقية التي لا يمكن تجنّبها. ويمكن استخدام SBTi للتحقق من صحة جهود صافي الانبعاثات الصفري، لكنه لا يُستخدم للتحقق من ادّعاءات الحياد الكربوني.
تستخدم الدول والشركات مجموعة واسعة من الاستراتيجيات للوصول إلى أهداف صافي الانبعاثات الصفري. وفيما يلي بعض الأساليب الرئيسية:
تستثمر العديد من الدول بكثافة في مصادر الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والطاقة الكهرومائية، والطاقة الحرارية الأرضية. كما تعمل على التخلص التدريجي من محطات الطاقة العاملة بالفحم، وتشجيع استخدام الطاقة النظيفة من خلال الإعانات والحوافز الحكومية. وتسير العديد من شركات القطاعين العام والخاص في الاتجاه نفسه، عبر التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة لتشغيل عملياتها. وقد يشمل ذلك تركيب الألواح الشمسية، أو شراء الطاقة الخضراء مباشرة من المورّدين، أو شراء شهادات الطاقة المتجددة (RECs).
تضع الدول معايير ولوائح لرفع كفاءة الطاقة في المباني ووسائل النقل والعمليات الصناعية. ويشمل ذلك كل شيء من معايير اقتصاد الوقود للمركبات، إلى قوانين بناء تفرض تصميمًا وإنشاءً موفّرين للطاقة. كما تستثمر في مشاريع تنمية مستدامة مثل مسارات الدراجات، وممرات المشاة، ومرافق إدارة النفايات التي تقلّل من انبعاثات غازات الدفيئة. وتستثمر الشركات أيضًا في تقنيات مثل إضاءة LED، وأنظمة التدفئة والتهوية وتكييف الهواء عالية الكفاءة، وبرمجيات إدارة الطاقة لتقليل استهلاكها للطاقة. وتدمج مبادئ التصميم المستدام في مبانيها للحد من استهلاك الطاقة وتقليل الأثر البيئي.
تعمل الشركات مع مورّديها لتقليل الانبعاثات والتأثيرات المناخية عبر سلسلة التوريد بأكملها. وقد يشمل ذلك الحصول على المواد بطريقة أكثر استدامة، وتقليل النفايات، أو مساعدة المورّدين على تحسين كفاءة الطاقة لديهم.
بالنسبة للانبعاثات المتبقية التي لا يمكن التخلص منها، تستثمر العديد من الشركات في مشاريع تعويض الكربون. وتتراوح هذه المشاريع بين جهود إعادة التشجير، وتركيب مشاريع للطاقة المتجددة، وغيرها من المبادرات التي تساعد على التخلص من غازات الدفيئة أو الحدّ منها في أماكن أخرى. ومع ذلك، من المهم التأكيد على أن الاعتماد على التعويضات وحدها، دون خفض الانبعاثات من المصدر، لا يكفي لتحقيق صافي الانبعاثات الصفري.
تشجع العديد من الدول استخدام المركبات الكهربائية من خلال الإعفاءات الضريبية والإعانات. وقد حدّدت بعض الدول مواعيد نهائية لحظر بيع السيارات الجديدة العاملة بالبنزين أو الديزل. وتتحول الشركات التي تمتلك أساطيل مركبات على نحو متزايد إلى المركبات الكهربائية، مع تركيب بنية تحتية للشحن وتقديم حوافز لتشجيع الموظفين على استخدامها.
وتُعرف هذه التقنية أيضًا باسم "احتجاز الكربون وتخزينه"، وهي طرق تُستخدم لرصد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مباشرةً من المصدر، ثم تخزينها تحت الأرض في تكوينات جيولوجية للحد من تأثيرها على الغلاف الجوي ودرجة حرارة الأرض. وتستثمر بعض الشركات، خاصة في الصناعات الثقيلة، في CCS لتقليل انبعاثاتها. كما تستخدم الدول التقنية نفسها لدعم تحقيق أهدافها المناخية، وتمكين أمن الطاقة، بما يسمح لها بالاستمرار في استخدام الوقود الأحفوري مع الحدّ من أثره البيئي.
تُحدّث الشركات منتجاتها وخدماتها لتكون أكثر استدامة—على سبيل المثال، من خلال تطوير منتجات أكثر متانة، وأسهل في الإصلاح، أو قابلة لإعادة التدوير عند نهاية عمرها التشغيلي.
تتضمن هذه الاستراتيجية فرض تكلفة على انبعاثات الكربون، إما من خلال ضريبة الكربون أو نظام الحدّ والمتاجرة، لتشجيع الشركات على خفض بصمتها الكربونية.
تضطلع الغابات والأراضي الرطبة وغيرها من النظم البيئية بدورٍ محوريّ في امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. وتنفّذ العديد من الدول سياسات لحماية هذه المناطق وإعادة تأهيل النظم البيئية المتدهورة.
وقد أدرجت بعض الدول أهداف صافي الانبعاثات الصفري في تشريعاتها، مما يجعل تحقيق هذه الأهداف بحلول تاريخ محدّد التزامًا قانونيًا. كما يعمل العديد منها معًا عبر اتفاقيات دولية مثل اتفاق باريس لتنسيق الجهود وتعزيز المساءلة المتبادلة. وبالنسبة للشركات، تساعد الشراكات والاتفاقيات التعاونية في تحسين كفاءة سلاسل التوريد والحدّ من الانبعاثات الانبعاثات.
إن تحقيق صافي الانبعاثات الصفري لا يخلو من التحديات. ومن أبرزها تكلفة التحوّل إلى اقتصاد منخفض الكربون. ورغم أن هذا التحوّل يمكن أن يحقق وفورات وفرصًا اقتصادية طويلة الأجل، فإن التكاليف الأولية قد تشكّل عائقًا، خصوصًا للدول النامية أو الشركات الصغيرة. كما يتطلّب الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفري إجراء تغييرات كبيرة في سلاسل التوريد وسلاسل القيمة، وهي تغييرات يصعب تنفيذها، لاسيما على نطاق عالمي.
وهناك أيضًا حاجة إلى ضمان أن تخفيضات الانبعاثات حقيقية، ويمكن التحقق منها، ومدعومة بإجراءات ملموسة. ورغم أن عددًا كبيرًا من المؤسسات قد أعلن التزامه بتحقيق صافي الانبعاثات الصفري، فإن كثيرًا منها اكتفى بالإعلان عن النية دون تقديم خطط واضحة أو خطوات عملية لتحقيق هدف صافي انبعاثاتها الصفري. وقد أدّى ذلك أيضًا إلى زيادة التدقيق في “الغسل الأخضر”. والغسل الأخضر هو حين تقدّم مؤسسة ما صورة غير دقيقة أو غير مكتملة عن جهودها المناخية بهدف تضخيم ادعاءاتها بشأن ممارساتها البيئية ونتائج أدائها أمام الأطراف المعنية.
وعلى الرغم من التحديات والمشكلات المرتبطة بصافي الانبعاثات الصفري، فقد أسهمت هذه الحركة بلا شك في تحفيز العمل المناخي في أماكن لم يكن موجودًا فيها سابقًا. وقد أدّى العمل المناخي المشترك من المؤسسات والسلطات حول العالم إلى تطوير سياسات مناخية، وتعزيز المقارنات المعيارية، وتحسين شفافية الانبعاثات. كما بدأ بعض المستثمرين في تضمين مبادرات صافي الانبعاثات الصفري ضمن تقييماتهم لأداء المؤسسات، ممّا دفع العديد من المنظمات إلى تقديم التزامات علنية لتحقيق هذه الأهداف.