الإلمام بالذكاء الاصطناعي: سد فجوة مهارات الذكاء الاصطناعي

تعمل فرق الصيانة مع الطائرات من دون طيار لمراقبة ظروف الجسر في الدنمارك. يستخدم عمال المرافق العامة برامج الذكاء الاصطناعي لإرسال موظفين ميدانيين لتنظيف شبكات تصريف مياه الأمطار في أستراليا. ويقوم موظفو إنتاج السيارات بنشر رؤية الكمبيوتر ليكشفوا عن عيوب التصنيع في مصانع التجميع التابعة لشركة Ford.¹

كل مثال من هذه الأمثلة هو دراسة حالة لكيفية تعزيز الذكاء الاصطناعي للعمالة البشرية في قطاع أو تخصص. ومع ذلك، فإن الاستخدام الفعال للذكاء الاصطناعي في الأعمال التجارية والصناعات يستلزم أكثر من مجرد دمج الشركات الذكاء الاصطناعي في أنظمة الحوسبة الخاصة بها.

حيث يتطلب ذلك أيضًا تمكّن الموظفين الذين تتراوح مناصبهم من المديرين التنفيذيين إلى العاملين الميدانيين من استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بنجاح.

وهذا ليس بالأمر الهين: إذ يقول ما يقرب من نصف المديرين التنفيذيين الذين تم استطلاع آرائهم مؤخرًا من قبل شركة IBM إن موظفيهم يفتقرون إلى المهارات والمعرفة اللازمة لتنفيذ نطاق تقنيات الذكاء الاصطناعي وتوسيعها.

لحسن الحظ، هناك حل لهذه الفجوة في المهارات: تعزيز الإلمام بالذكاء الاصطناعي.

يتمثل أحد تعريفات الإلمام بالذكاء الاصطناعي في القدرة على فهم الجوانب المختلفة للذكاء الاصطناعي—بما في ذلك قدراته وحدوده واعتباراته الأخلاقية—واستخدامه لأغراض عملية. قد يستلزم من المتعلمين ممارسة التفكير النقدي في فهمهم لتقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته.

يقول Ignacio Cruz، الخبير في مجال الاتصالات والتقنيات الناشئة: "لا يتطلب أن تكون مثقفًا في مجال الذكاء الاصطناعي أن تتعلم فقط، بل أن تتعلم كيفية التعلم، أي أن تطرح الأسئلة الصحيحة لفهم كيفية عمل أنظمة الذكاء الاصطناعي".

ويضيف Cruz أن أهداف الإلمام بالذكاء الاصطناعي "يمكن أن تمتد عبر سلسلة متصلة" تتراوح من الفهم الأساسي لمفاهيم الذكاء الاصطناعي إلى قدرات أكثر تطورًا، مثل القدرة على تقييم مخاطر الذكاء الاصطناعي في صناعة القرار.²

تشير الحكمة التقليدية اليوم إلى أن مهارات الإلمام بالذكاء الاصطناعي مهمة ليس فقط للموظفين، ولكن للأفراد في أثناء تجربتهم لتأثير الذكاء الاصطناعي في الواقع.

بعد كل شيء، تتضمن الحياة اليومية للعديد من الناس الآن مجموعة من الأنشطة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، مثل قراءة عناوين الأخبار التي تم تنسيقها بواسطة الذكاء الاصطناعي، والتفاعل مع روبوت محادثة لخدمة العملاء، والركوب في المركبات الموجهة بالذكاء الاصطناعي، واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدية الموجهة للمستهلك بما في ذلك ChatGPT.

قالت Charlotte Dungan، مديرة العمليات في مشروع تعليم الذكاء الاصطناعي: "عندما يعرف الناس عن الذكاء الاصطناعي، يصبحون قادرين على اتخاذ قرارات أفضل لأنفسهم ولمجتمعاتهم"، في مقابلة مع مجلة Harvard Ed. "ليس من الضروري أن يكونوا مبرمجين ليستفيدوا من التعرف على الذكاء الاصطناعي، وأعتقد أن الجميع يستحقون الوصول إلى هذه المعلومات."³

في حين أن فهم ما يشكل الإلمام بالذكاء الاصطناعي، يتطور مع تطور الذكاء الاصطناعي نفسه، فإن هناك العديد من المبادئ الأساسية التي وضعها باحثو الذكاء الاصطناعي والمعلمون في السنوات الأخيرة.

كانت إحدى القوى التوجيهية هي مجموعة من المعلمين والتقنيين المعروفين باسم مجموعة عمل "الذكاء الاصطناعي لـ K12". ابتكرت المجموعة، وهي مشروع مشترك بين جمعية النهوض بالذكاء الاصطناعي وجمعية معلمي علوم الحاسب الآلي (CSTA)، مجموعة من 5 "أفكار كبيرة" لتوجيه المعايير التعليمية للإلمام بالذكاء الاصطناعي:

• "تعرف أجهزة الكمبيوتر العالم باستخدام أجهزة الاستشعار".
  
  
• "يحافظ وكيل الذكاء الاصطناعي على نماذج/تمثيلات للعالم ويستخدمها للتفكير".
  
  
• "يمكن لأجهزة الكمبيوتر التعلم من البيانات".
  
  
• "إن جعل الوكلاء يتفاعلون بشكل مريح مع البشر يمثل تحديًا كبيرًا لمطوري الذكاء الاصطناعي".
  
  
• "يمكن أن تؤثر تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجتمع بطرق إيجابية وسلبية".

وبناءً على هذه المبادئ، أنشأ الباحثان دوري Duri Long وBrian Magerko في معهد جورجيا للتقنية إطار العمل للإلمام بالذكاء الاصطناعي مع مجموعة من أكثر من اثني عشر كفاءة.

استند الباحثان في النتائج التي توصلوا إليها إلى مراجعة أدبيات 150 ورقة بحثية عن الذكاء الاصطناعي، مثل المقالات الصحفية وأوراق المؤتمرات. تشمل الكفاءات التي حددوها ما يأتي:

• التمييز بين التقنيات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي والتقنيات التي لا تستخدمه.
  
  
• تحديد التقنيات المختلفة التي تستخدم الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك التقنيات التي تتضمن التعلم الآلي والتشغيل الآلي.
  
  
• تحديد أنواع حل المشكلات التي يتفوق فيها الذكاء الاصطناعي وأنواع المشكلات الأكثر صعوبة، ثم استخدام هذه المعلومات لتحديد متى يتم نشر الذكاء الاصطناعي مقابل استخدام المهارات البشرية.
  
  
• الاعتراف بالدور الذي يلعبه البشر في البرمجة واختيار نماذج الذكاء الاصطناعي والضبط الدقيق لأنظمة الذكاء الاصطناعي.
  
  
• فهم مفاهيم الوعي بالبيانات، بما في ذلك التعرف على متى يتم استخدام البيانات الشخصية لتدريب خوارزميات التعلم الآلي.
  
  
• فهم أن بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي قادرة على التصرف فعليًا في الواقع.
  
  
• تحديد القضايا الرئيسية لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، مثل خصوصية البيانات، وقابلية التفسير، والمعلومات المضللة، والتحيز، والشفافية، والمساءلة.

وأشار الباحثون أيضًا إلى أن المعرفة الرقمية شرط أساسي للإلمام بالذكاء الاصطناعي لأن "الأفراد بحاجة إلى فهم كيفية استخدام أجهزة الكمبيوتر لفهم الذكاء الاصطناعي".⁴

مع الانتشار المتزايد للتطبيقات والأدوات القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي، ركز بعض الخبراء بشكل خاص على معرفة الذكاء الاصطناعي التوليدي.

وفقًا لمركز التعليم والابتكار في جامعة كورنيل، يشمل الإلمام بالذكاء الاصطناعي التوليدي مهارات التعرف على وقت استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتقييم موثوقية وصلاحية مخرجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وكما هو الحال مع إطار عمل معهد جورجيا، تحديد قضايا أخلاقيات الذكاء الاصطناعي.⁵

إن الإلمام بالذكاء الاصطناعي يبرز بشكل خاص في مجال التعليم، حيث يشعر المعلمون بالقلق من أن استخدام الذكاء الاصطناعي قد يساعد الطلاب على التحايل على تجارب التعلم.⁶

نصح مركز Cornell بنماذج اللغة الكبيرة (LLMs) "حيث يمكن أن تساعد المتعلم على كتابة ورقة أو تقرير، لكنها لا تستطيع تعليم المتعلم كيفية إجراء بحث أصلي، أو تجميع المعلومات من مصادر متعددة، أو صياغة الحجج، أو التعبير عن الآراء أو الاستشهاد بالمصادر بشكل صحيح". "ومن ثَمَّ، فإن الحاجة إلى الإلمام بالذكاء الاصطناعي أمر ضروري للطلاب وأعضاء هيئة التدريس على حد سواء".⁷

إذًا ما الذي يتطلبه الأمر لتحقيق الإلمام بالذكاء الاصطناعي؟ يقول بعض المعلمين اليوم أن الإلمام بالذكاء الاصطناعي يجب أن يبدأ في وقت مبكر من المدرسة الابتدائية، بينما تقدم الكليات والشركات دورات الذكاء الاصطناعي وبرامج التطوير المهني لجعل البالغين اليوم على اطلاع دائم.

دخل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في شراكة مع مجموعة غير ربحية للتكنولوجيا والهندسة والرياضيات لتطوير مناهج قصيرة للإلمام بالذكاء الاصطناعي للمعلمين الذين يدرسون الطلاب من سن 5 إلى 18 عامًا.

يقدم البرنامج المُسمى بيوم الذكاء الاصطناعي مفاهيم الذكاء الاصطناعي ومفرداته، ويشجع الأنشطة العملية التي توضح كيفية عمل الذكاء الاصطناعي، ويستكشف الفوائد والأضرار المحتملة للذكاء الاصطناعي، ويؤكد على الحاجة إلى الذكاء الاصطناعي المسؤول. يمكن تنزيل مواد يوم الذكاء الاصطناعي واستخدامها وإعادة توزيعها بموجب ترخيص المشاع الإبداعي.

بعد تطبيق المناهج الدراسية في مدارس مختلفة في عامي 2022 و2023، أجرى الباحثون استطلاعًا للمعلمين المشاركين ووجدوا النتائج واعدة.

كتبت Cynthia Breazeal، من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وFiona Hollands، من منظمة الأبحاث Ed Research، في مقال يوثق المبادرة، "بعد بضع ساعات فقط من التفاعل مع المحتوى، أفاد المعلمون أنهم وطلابهم تعلموا مفاهيم الذكاء الاصطناعي، وكيف يعمل الذكاء الاصطناعي وكيف يتم استخدامه حاليًا، وحول الفوائد والأضرار المحتملة للمجتمع". "تعلم المزيد عن الذكاء الاصطناعي زاد من مستويات التفاؤل بشأن الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي للمجتمع وحول قدراتهم الخاصة للمساهمة في تشكيل مستقبل الذكاء الاصطناعي". ⁸

ليس غريبًا أن يصبح الذكاء الاصطناعي مجالاً دراسيًا شائعًا لطلاب الجامعات. وجد استطلاع عالمي في عام 2024 أن أكثر من 70% من الطلاب يعتقدون أن الجامعات يجب أن تقدّم المزيد من الدورات التدريبية في مجال الإلمام بالذكاء الاصطناعي والتدريب على الاستخدام الفعال لأدوات الذكاء الاصطناعي.⁹

تعمل الجامعات على الاستجابة للطلب، حيث يتجاوز بعضها تقديم دروس الذكاء الاصطناعي إلى منح درجات البكالوريوس والدراسات العليا التي تركز على الذكاء الاصطناعي.¹⁰

تتوفر بعض دورات الذكاء الاصطناعي التي ترعاها الجامعة عبر الإنترنت مجانًا للجمهور، بما في ذلك العروض التي تقدمها جامعة هارفارد وجامعة بنسلفانيا ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. لدى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، من خلال مبادرة الذكاء الاصطناعي المسؤول للتمكين الاجتماعي والتعليم (RAISE)، شراكة تعاونية مع Google لتقديم دورات مجانية في الذكاء الاصطناعي مصممة خصوصًا للمعلمين.¹¹

وكما هو الحال مع الجامعات، تتعرض الشركات لضغوط متزايدة لتقديم التدريب على الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، فإن هذا الضغط لا يأتي فقط من الطلب على الموظفين ولكن من واقع قاسٍ: نقص مهارات الذكاء الاصطناعي الذي يلوح في الأفق، خاصة في حالة الذكاء الاصطناعي التوليدي.

وخلص باحثون من McKinsey في تقرير استطلاع عام 2024 إلى أن "تحول المواهب القائم على الذكاء الاصطناعي التوليدي ليس شيئًا يمكن للشركات ببساطة أن تستأجره، لأنه يؤثر في المجموعة بأكملها وطرق عملها". ووجد الباحثون أن المستخدمين الأوائل لتقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي يركزون بشكل كبير على تحسين المهارات وإعادة تأهيلها.¹²

وفقًا لتقرير صادر عن معهد IBM Institute for Business Value في عام 2024، يقول المديرين التنفيذيين إن 35% من القوى العاملة سيحتاجون إلى إعادة التدريب وإعادة تأهيل المهارات على مدى السنوات الثلاث المقبلة—زيادة بمقدار 6% فقط في عام 2021.

لا تتوقف الشركات عن تقديم التدريب على الذكاء الاصطناعي لموظفيها فقط. تُقدم شركات مثل Amazon وMicrosoft وIntel وIBM، دورات مجانية في الذكاء الاصطناعي والموارد عبر الإنترنت.

على سبيل المثال، تقدم شركة IBM SkillsBuild، وهو برنامج دورات على الإنترنت يمنح المتعلمين بيانات الاعتماد الرقمية. تشمل الدورات التدريبية الشائعة "مقدمة في الذكاء الاصطناعي" و"إتقان فن الكتابة الموجِّهة"، وتلتزم شركة IBM بتدريب مليوني متعلم على الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2026. 

كما تقدم IBM سلسلة فيديوهات تسمى أكاديمية الذكاء الاصطناعي، مع حلقات تتضمن موضوعات مثل مطابقة نماذج الذكاء الاصطناعي مع حالات الاستخدام، واستعداد الذكاء الاصطناعي في السحابة الهجينة، والبودكاست "AI in Action".

تعرف على التزام IBM بتدريب مليوني متعلم في مجال الذكاء الاصطناعي

تتوقع Justina Nixon-Saintil، نائبة الرئيس ورئيسة قسم المسؤولية الاجتماعية لشركة IBM، أن يصبح التعلم مدى الحياة في مجال الذكاء الاصطناعي والمواضيع التقنية الأخرى "الطبيعي الجديد".

أوضحت Nixo-Saintil مؤخرًا: "إن الحاجة المباشرة هي مهارات الذكاء الاصطناعي، ولكن سيكون هناك قريبًا طلب متزايد على مهارات Quantum، إلى جانب الطلب الدائم على مهارات الأمن السيبراني". "التعلم مدى الحياة ضروري للأشخاص الذين يرغبون في الحفاظ على قدرتهم التنافسية في سوق العمل".