يمكن للشركات الاستثمار في تعويضات الكربون عن طريق شراء آليات تعرف باسم أرصدة تعويض الكربون. وتمول مشتريات هذه الأرصدة، التي تتم عبر أسواق الكربون الطوعية، مشاريع خفض الانبعاثات مثل مبادرات زراعة الأشجار والمبادرات الحرجية، وعزل الكربون في الزراعة وتوليد الطاقة المتجددة.

بلغ الطلب على تعويضات الكربون مستوى جديدًا في عام 2023، حيث تم تسجيل 163.6 مليون تعويض، وفقًا لتقرير صادر عن BloombergNEF.¹ لكن المخاوف بشأن الغسل الأخضر دفعت إلى توقعات بأن الطلب قد يستقر. واستجابةً لذلك، أطلقت المنظمات الخاصة والحكومات برامج لدعم تطوير أرصدة الكربون عالية الجودة. يمكن لأدوات البرمجيات أن تساعد الشركات على تتبع وإدارة جهودها في تقليل الانبعاثات، بما في ذلك استثمارات تعويض الكربون.

يشار إليه أيضا باسم الخفض الطوعي للانبعاثات (VER)، ويمثل تعويض الكربون تجنبًا أو تدميرًا أو تقليلًا أو عزلًا لما يعادل طنًا واحدًا (أو طنًا متريًا) من غازات الدفيئة. يمكن تنفيذ هذه الإجراءات بوسائل مختلفة، بدءًا من الأساليب الطبيعية مثل زراعة الأشجار إلى الممارسات المعتمدة على التقنية، مثل احتجاز الميثان.

تستثمر الشركات في مشاريع التعويض عن طريق شراء أرصدة تعويض الكربون من أسواق الكربون الطوعية. يمكن لعمليات شراء أرصدة الكربون هذه أن تساعد الشركات في تعويض انبعاثاتها الكربونية وانبعاثات غازات الدفيئة الأخرى. ويمكن أن تساعد هذه الاستراتيجية الشركات في تحقيق أهدافها البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) وأهدافها العلمية المتعلقة بانبعاثات النطاق 1 و2 و3، بما يتماشى مع الجهود العالمية للتخفيف من آثار تغير المناخ.

رصيد تعويض الكربون هو أداة قابلة للتحويل ومعتمدة من جهة حكومية أو هيئة اعتماد مستقلة، تسمح للمشتري "بإلغاء" الرصيد عن طريق المطالبة بالتخفيض الأساسي لتحقيق أهدافه لخفض الانبعاثات.

تتطلب قواعد الاعتماد أن يكون التعويض المعتمد حقيقيًا ودائمًا ويمكن التحقق منه، ويكون إضافةً على السيناريوهات العادية. سيناريو العمل كالمعتاد. وبعبارة أخرى، فإن تدمير أو تجنب كمية معينة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (أو غيرها من غازات الدفيئة) لم يكن ليحدث لولا شراء التعويض، وهذا المفهوم يُعرف باسم "الإضافية".

يسهم نمو أسواق الكربون الطوعية واستخدام القطاع الخاص لهذه الأسواق في تعزيز تطوير الدول لتداول الانبعاثات. في عام 1998، أنشأ بروتوكول كيوتو "آليات التنمية النظيفة"، والتي تستشهد بها الأمم المتحدة باعتبارها أول خطة استثمار واعتماد بيئي عالمي من نوعها.² أتاحت هذه الآليات للدول الموقّعة على البروتوكول كسب أرصدة لتحقيق أهدافها في خفض الانبعاثات من خلال الاستثمار في مشاريع خفض الانبعاثات في البلدان النامية.

في عام 2021، وافق أعضاء اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ على قواعد التداول الدولي للكربون كما هو محدد في اتفاقية باريس، مما يسمح للدول بتبادل أرصدة الكربون فيما بينها لتحقيق الأهداف المناخية. اعتبارًا من أواخر عام 2023، تم توقيع ثلاث صفقات بموجب نظام اعتماد اتفاقية باريس، في حين تم اقتراح أكثر من 100 صفقة أخرى، وفقًا للمعهد الدولي للتنمية المستدامة.³

تشمل أنواع مشاريع تعويض الكربون ما يلي:

تخزن الغابات ما بين 10 وأكثر من 1000 طن من الكربون لكل هكتار، وفقًا لتقرير صادر عن معهد MIT.⁴ وهذا يجعل مبادرات زراعة الأشجار والغابات - مثل إعادة التحريج وتحسين إدارة الغابات (IFI) وتجنب إزالة الغابات - طرقًا جذابة لمشاريع خفض الكربون. كما توفر هذه المبادرات القائمة على الطبيعة أيضًا ميزات مشتركة، مثل حماية التنوع البيولوجي أو تعزيزه، مما يجعلها أحد أكثر أنواع المشاريع شيوعًا.

تدير بعض المشاريع الأراضي الزراعية لتعزيز قدرة التربة على تخزين الكربون. تشمل التقنيات المستخدمة دوران المحاصيل وزراعة محاصيل التغطية التي تساعد في منع تآكل التربة، وتحسين مستويات الرطوبة، وتقديم فوائد أخرى، مما يعزز صحة التربة ويزيد من قدرتها على احتجاز الكربون.

تركز مشاريع تعويض الكربون المعنية بإدارة النفايات على معالجة الانبعاثات بطرق متعددة. في مدافن النفايات، ينتج عن تحلل النفايات غاز الميثان، وهو غاز دفيئة قوي يأتي في المرتبة الثانية بعد ثاني أكسيد الكربون في المساهمة في ظاهرة الاحتباس الحراري. يمكن التقاط الميثان في مدافن النفايات وتدميره أو تحويله إلى مصدر للطاقة.

كما يُعد السماد في المزارع مصدرًا رئيسيًا لانبعاثات الميثان. وعند معالجته باستخدام نظام الهضم اللاهوائي، يتم تكسير النفايات لإنتاج الغاز الحيوي، وهو وقود ذو بصمة كربونية أقل من الميثان.

يمكن للشركات شراء أرصدة كربون لدعم مشاريع الطاقة المتجددة مثل ألواح الطاقة الشمسية ومزارع الرياح ومحطات الطاقة الكهرومائية . تأتي هذه الفئة من مشاريع التعويض في المرتبة الثانية بعد مشاريع الغابات من حيث شعبيتها، وفقا لتقرير عام 2023.⁵

من المهم التمييز بين تعويضات الكربون لمشاريع الطاقة المتجددة وشهادات الطاقة المتجددة (RECs). تُقاس تعويضات الكربون بالطن من الكربون (أو ما يعادله من ثاني أكسيد الكربون)؛ في حين تمثل الجماعات شهادات RECs ميجاوات-ساعة (MWh) من الكهرباء المولدة من مصادر طاقة متجددة. ولأن الكهرباء المتجددة تحل محل الكهرباء الناتجة عن الوقود الأحفوري، يمكن للشركات استخدام الشهادات لتقليل انبعاثات النطاق 2، لكن لا ينبغي استخدام شهادات الطاقة المتجددة لتعويض الانبعاثات الأخرى.

في البلدان النامية، يعتمد الكثير من السكان على الوقود الأحفوري في الأنشطة المنزلية، مثل الطهي على اللهب المكشوف أو حرق الخشب لغلي الماء. تجلب بعض مشاريع تعويض الكربون أجهزة أنظف وأكثر كفاءة للأسر والمجتمعات المحلية، مثل مواقد الطهي التي تعمل بغاز البترول المسال. يساهم تحديث الأنظمة المنزلية في تقليل الانبعاثات وتحسين جودة الهواء الداخلي.

تعمل التقنيات المتطورة على إزالة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إما عند المصدر أو مباشرة من الغلاف الجوي. الأولى، المعروفة باسم احتجاز وتخزين الكربون (CCS)، تتضمن جمع ثاني أكسيد الكربون الناتج عن العمليات الصناعية ومحطات توليد الطاقة. أما الثانية، وهي تقنيات التقاط وتخزين الهواء مباشرة (DACS)، فتستخلص ثاني أكسيد الكربون مباشرة من الغلاف الجوي باستخدام تفاعلات كيميائية لفصل جزيئات ثاني أكسيد الكربون. يمكن تخزين الكربون المحتجز تحت الأرض أو استخدامه لأغراض أخرى.

تُعد التعويضات خيارًا شائعًا بين الشركات لأنها تسمح لها بتقليل الانبعاثات المعلنة بسرعة من خلال شراء الأرصدة، بينما تستثمر في تغييرات هيكلية طويلة الأجل لتقليل الانبعاثات. ومع ذلك، يقول النقاد إن الشركات قد تعتمد بشكل كبير على برامج تعويض الكربون دون بذل الجهود الكافية لاستخدام مصادر طاقة متجددة، أو تنفيذ تدابير كفاءة الطاقة، أو اتخاذ خطوات أخرى نحو تحقيق الحياد الكربوني.

إضافة إلى ذلك، تشير العديد من الدراسات في السنوات الأخيرة إلى أن العديد من مشاريع تعويض الكربون لم تكن فعالة كما وعد بها مطورو المشاريع:

• أظهر تحقيق نشرته صحيفة The Guardian أنه من بين 50 مشروعًا حول العالم، لم يستوف 32 مشروعًا منها معايير "إضافية" في حين زعم 23 مشروعًا خفض الانبعاثات بشكل مبالغ فيه.⁶
• أظهر تحليل آخر لتعويضات الكربون في مشاريع الغابات في كاليفورنيا خللًا في منهجيات المشاريع، وخلص إلى أن تقييمات خط الأساس المعيبة أدت إلى توليد أرصدة تتجاوز ما يمكن أن يتماشى مع التأثير الفعلي البيئي للمشاريع.⁷
• وبالمثل، أظهرت دراسات عن برامج مواقد الطهي النظيفة أن مقدمي الخدمات كانوا يصدرون أرصدة كربونية تفوق الفوائد البيئية الفعلية للمشاريع.⁸

بدون معايير أكثر صرامة، يمكن أن تؤدي المخاوف بشأن مصداقية تعويضات الكربون إلى انخفاض الطلب والأسعار، وفقا لتحليل أجرته BloombergNEF.

استجابةً للمخاوف المتعلقة بالمصداقية، تتطور ضوابط الجودة في سوق تعويضات الكربون. قامت مجموعات المعايير العالمية، مثل The Gold Standard وGreen-e، بتحديث أطر عملها لضمان أن تسهم مشاريع التعويض بشكل ملموس في التنمية المستدامة. تشمل المنظمات الرئيسية الأخرى ACR (المعروفة سابقًأ باسم سجل الكربون الأمريكي) وClimate Action Reserve، التي تدير سجلات أرصدة الكربون، وVerra، التي تدير برنامج المعيار الكربوني المعتمد (VCS)، وهو سوق طوعي بارز.

كما تدعم الحكومات الوطنية ضوابط الجودة لتعويضات الكربون. في أستراليا، طورت الحكومة الفيدرالية برنامج "Climate Active"، الذي ينشر إرشادات لمساعدة المنظمات في شراء التعويضات الصحيحة. وفي الآونة الأخيرة، أعلنت السلطات الأمريكية عن مبادرات لدعم بيع أرصدة الكربون عالية المصداقية - والتي تعرف بأنها "أرصدة تمثل انبعاثات أو عمليات إزالة حقيقية وإضافية ودائمة وفريدة من نوعها وتم التحقق منها بشكل مستقل".⁹ أحد هذه المبادرات هو برنامج يوفر المساعدة الفنية والتحقق لمشاريع التعويض.

يمكن للشركات أيضًا اتخاذ تدابير خاصة لضمان الحصول على تعويضات كربون عالية الجودة. فيمكنهم:

• اختيار البائع بعناية وعدم التردد في طلب أي معلومات غير متاحة للجمهور على موقعه الإلكتروني.
• التأكد من أن التعويضات التي يشترونها لم تُباع إلا مرة واحدة.
• أن يطلبوا من بائعيهم ضمان إلغاء التعويض من السوق نيابةً عن الشركة.
• استخدام سجل عام تابع لجهة خارجية يتتبع ملكية التعويض طوال فترة حياته.
• الحرص على شراء التعويضات "الإضافية" فقط (أي تلك التي لم تكن لتحدث بدون شراء الأرصدة).

يُقدَّم دليل أكثر تفصيلًا من جامعة Oxford، التي نشرت نسخة محدثة من Oxford Principles for Net Zero Aligned Carbon Offsetting in 2024.¹⁰ يعتبر الدليل مرجعًا رئيسيًا حول كيفية تقييم واختيار التعويضات الصحيحة.

يمكن أن يؤدي امتلاك البرمجيات المناسبة إلى تمكين الشركات من تسجيل وإدارة جميع البيانات المتعلقة بالانبعاثات، بما في ذلك التعويضات المشتراة، في نظام تسجيل واحد، مما يساعد على تبسيط عملية حساب غازات الدفيئة أثناء عملية الإبلاغ عن الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. كما يمكن للبرمجيات تمكين المنظمات من تحديد فرص خفض الانبعاثات وتقييمها ضمن محفظتها.

بمجرد تحقيق تخفيضات الانبعاثات، يمكن للمنظمات تحديد الكميات المتبقية لكل نطاق بشكل أكثر دقة للتعويض عنها وتسجيلها في النظام. وبما أن تعويضات الكربون يجب أن تتم إدارتها وتتبعها على المدى الطويل، وأن هذه السجلات تحتاج إلى استيفاء معايير التدقيق والامتثال، يمكن للبرمجيات المتخصصة في الاستدامة تبسيط العملية. تضمن البرمجيات المناسبة أن تكون جميع البيانات المسجلة مرتبطة بالمعاملة، مع سجلات تدقيق قوية لأي تغييرات تُجرى لاحقًا على هذه البيانات.

يعد سوق تعويض الكربون بيئة معقدة تخضع للتدقيق الشديد. وبامتلاك الأدوات الصحيحة، يمكن للمنظمات التنقل في هذا السوق بنجاح مع إظهار فعالية جهودها لخفض الانبعاثات للأطراف المعنية والمستثمرين.