تُعنى إدارة العمليات بإيجاد طرق أكثر كفاءة ودقة وانسيابية لإنجاز المهام. وهي تشمل مجموعة واسعة من الأنشطة مثل التخطيط، والتنظيم، وإدارة المخزون وسلسلة التوريد، وجدولة الإنتاج، وضبط الجودة، واللوجستيات، والتشغيل الفعّال للعمليات، وصيانة الأصول. واليوم، تتقاسم هذه الوظائف سمة واحدة: فهي جاهزة للتحسين من خلال الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي هو التقنية التي تمكّن أجهزة الكمبيوتر والآلات من محاكاة الذكاء البشري والقدرة على حل المشكلات، وهو يعيد تشكيل الصناعات. في الواقع، أفاد 94٪ من قادة الأعمال في أحد الاستطلاعات بأن الذكاء الاصطناعي سيكون عنصرًا حاسمًا في نجاحهم خلال السنوات الخمس المقبلة. ونظرًا لأن إدارة العمليات تُعدّ عنصرًا أساسيًا في كيفية عمل المؤسسات وبقائها في موقع تنافسي، فإن الاستخدام المنتج للذكاء الاصطناعي يُعد أمرًا ضروريًا.
يُعد الذكاء الاصطناعي أداة قوية لمديري العمليات الساعين إلى تبسيط المهام، وتقليل التكاليف، وتحسين الكفاءة التشغيلية. فالأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي قادرة على تحليل كميات هائلة من البيانات، مما يتيح اتخاذ قرارات في الوقت الفعلي وتحسين مهام سير العمل. تساعد هذه الأنظمة مديري العمليات على اكتشاف نقاط الاختناق، والتنبؤ بأعطال المعدات، والتكيف مع اتجاهات السوق.
كما يمكن للذكاء الاصطناعي تقديم توصيات قابلة للتنفيذ لمعالجة المشكلات، وتعويض نقص البيانات أو عدم اتساقها، مما يؤدي إلى الحصول على رؤى أكثر دقة واتخاذ قرارات مبنية على معلومات موثوقة. وتُسهم التطورات في التعلم الآلي، والأتمتة، والتحليلات التنبؤية في تمكين مديري العمليات من تحسين التخطيط وتبسيط مهام سير العمل.
ورغم أن فوائد الذكاء الاصطناعي واضحة، ينبغي على المؤسسات أن تضع في اعتبارها بعض تحدياته ومن هذه التحديات، مخاوف تتعلق بخصوصية البيانات، ومتطلبات الامتثال التنظيمي، والحاجة إلى كوادر مؤهلة لإدارة تقنيات الذكاء الاصطناعي. ورغم قدرة الذكاء الاصطناعي على التكيّف وتنفيذ تغييرات حاسمة في العمليات دون تدخل بشري، تظل الخبرة البشرية ضرورية للتحقق من النتائج وصياغة قرارات استراتيجية على مستوى أعلى. وغالبًا ما يكون النهج الأكثر فاعلية هو دمج القدرات البشرية مع إمكانات الذكاء الاصطناعي.
من خلال التخطيط والتنفيذ الدقيقين، تستطيع الشركات الاستفادة من قوة الذكاء الاصطناعي لتحقيق نتائج أفضل.
يعتمد الذكاء الاصطناعي على تحليلات متقدمة لاستخلاص رؤى قيمة وإجراء تنبؤات دقيقة. ويمكن لنماذج التعلم الآلي تحليل بيانات المبيعات التاريخية، واتجاهات السوق، والموسمية، وأنماط الطقس، وانطباعات وسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها من العوامل، لإنتاج توقعات للطلب. فعلى سبيل المثال، يستطيع الذكاء الاصطناعي تحليل أنماط المبيعات والتنبؤ بها، مما يُساعد المؤسسات على الحفاظ على مستويات مثلى من المخزون. وقد أظهرت إحدى الدراسات أن أدوات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تقلل من أخطاء التنبؤ بنسبة تصل إلى 50%، وتخفض من المبيعات المفقودة بسبب نقص المخزون بما يصل إلى 65%.
ويسهم استخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة سلسلة التوريد في تحسين جودة اتخاذ القرار والكفاءة التشغيلية يسمح الذكاء الاصطناعي للشركات بتحليل كميات كبيرة من البيانات في الوقت الفعلي، وتوقع اتجاهات السوق، وتحسين الخدمات اللوجستية، وتنفيذ التوجيه والجدولة بناءً على تغيّرات الظروف كما يمكن للذكاء الاصطناعي تبسيط مهام سير العمل من خلال الأتمتة، وتحسين المشتريات، وتقليل الاضطرابات، وتوفير رؤية وشفافية شاملة من البداية إلى النهاية.
ويسهم استخدام أجهزة إنترنت الأشياء (IoT) ضمن عمليات سلسلة التوريد في تزويد أنظمة الذكاء الاصطناعي بمدى أوسع من البيانات، مما يؤدي إلى تحقيق رؤى أكثر شمولًا. وقد طبّقت IBM العديد من حلولها المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في إدارة سلسلة التوريد ضمن عملياتها الداخلية، مما أسفر عن توفير قدره 160 مليون دولار أمريكي، وتحقيق معدل تنفيذ طلبات بنسبة 100% حتى خلال ذروة جائحة كوفيد-19.
وتُتيح خوارزميات الذكاء الاصطناعي تحليل بيانات أجهزة الاستشعار والسجلات التاريخية للصيانة من أجل التنبؤ بحالات تعطل المعدات. كما يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في إنشاء نماذج تحليل أوضاع العطل وتأثيراته (FMEA) بكفاءة أعلى، مما يقلل من الوقت والجهد اللازمين لإجراء هذه الدراسات. وبالتالي، يمكن للمؤسسات جدولة أعمال الصيانة بشكل استباقي لتقليل وقت التوقف عن العمل، وإطالة عمر الأصول، وخفض التكاليف التشغيلية. فعلى سبيل المثال، استخدمت إحدى شركات التعدين حلولًا مدعومة بالذكاء الاصطناعي للتنبؤ باحتياجات الصيانة، مما أدى إلى تقليل وقت التوقف عن الإنتاج بنسبة تصل إلى 30%.
من خلال التدريب على البيانات التاريخية، يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي التعرف بسرعة على الأنماط غير الاعتيادية والقيم الخارجية التي قد تشير إلى مشكلات في مراقبة الجودة. وعبر الربط مع بيانات الكاميرات والطائرات دون طيار وأجهزة الاستشعار وغيرها من الأجهزة الطرفية، يمكن للذكاء الاصطناعي معالجة مشكلات الجودة في الوقت الفعلي. كما تُمكّن التصورات والخوارزميات المدعومة بالذكاء الاصطناعي من اكتشاف عيوب المنتجات بسرعة ودقة أعلى من البشر، وفي بعض الحالات تحديد السبب الأساسي للمشكلة. فعلى سبيل المثال، وجدت إحدى شركات تصنيع السيارات أن نظام الفحص البصري القائم على الذكاء الاصطناعي حدد العيوب بدقة تصل إلى 97% مقارنة بنسبة 70% للمفتشين البشريين.
يستطيع روبوت المحادثة والمساعد الافتراضي المدعومين بالذكاء الاصطناعي تقديم خدمات على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وحل المشكلات الشائعة وتعزيز تجربة العملاء. ويُسهم هذا النوع من الخدمة في رفع مستوى رضا العملاء وتعزيز ولائهم. فعلى سبيل المثال، استخدمت شركة Bouygues Telecom الذكاء الاصطناعي التوليدي لاستخراج بيانات مراكز الاتصال وتحليلها، مما مكّن العاملين من تقديم اقتراحات وحلول مخصصة في الوقت الفعلي. وقد أدى هذا النهج المُخصص إلى خفض العمليات السابقة واللاحقة للمكالمات بنسبة 30%، ومن المتوقع أن يُحقق وفورات تتجاوز 5 ملايين دولار أمريكي.
كما توفر روبوتات المحادثة المدعومة بالذكاء الاصطناعي دعمًا فوريًا للموظفين، من خلال تقديم البيانات والإجابة على الاستفسارات الشائعة. وتُساعد هذه الأدوات العاملين على حل المشكلات بسرعة، وتحسين معدلات الإصلاح من المحاولة الأولى، وتعزيز الكفاءة التشغيلية. ويُسهم هذا النوع من المساعدة أيضًا في الحفاظ على المعرفة المؤسسية والتغلب على فجوات المهارات. فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي لإنشاء محاكاة تدريبية تتيح للعاملين ممارسة المهارات بأمان قبل تطبيقها في بيئات العمل الفعلية. كما توفّر برامج التدريب المدعومة بالذكاء الاصطناعي تجارب تعلم مخصصة، حيث يتم تكييف المحتوى وفقًا لقدرات المتعلّم ومستوى تقدّمه.
تُعد أتمتة العمليات الآلية (RPA) أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تستخدم روبوتات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لأتمتة المهام الروتينية التي تعتمد على قواعد محددة وتتكرر باستمرار، مثل إدخال البيانات، ومعالجة الفواتير، والاستجابات لخدمة العملاء. وتقوم هذه الروبوتات باستخلاص البيانات، وملء النماذج، وإنشاء التقارير، وتنفيذ أنشطة أخرى متكررة، مما يُحسّن الكفاءة، ويُقلل الأخطاء، ويُحرّر القوى العاملة البشرية للتركيز على مهام أكثر تعقيدًا واستراتيجية. فعلى سبيل المثال، وجدت شركة Deloitte أن أتمتة العمليات الآلية ساهمت في تقليص وقت إعداد تقارير الإدارة من عدة أيام إلى ساعة واحدة فقط، كما خفّضت وقت إعداد تقارير نفقات السفر من ثلاث ساعات إلى عشر دقائق فقط.
يمكن أن يسهم الذكاء الاصطناعي في دعم اتخاذ القرارات القائم على البيانات عبر تحليل مجموعات بيانات ضخمة وتقديم رؤى قد تفوت البشر. وعند تطبيق هذه التحليلات المتقدمة على البيانات الكبيرة، يمكنها تحسين التخطيط الإستراتيجي وإدارة المخاطر وتخصيص الموارد. ومع ظهور أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على معالجة اللغة الطبيعية، بات بوسع المؤسسات استخلاص رؤى أعمق من البيانات غير المنظمة. وتستطيع هذه التقنيات التنبؤ بالمخاطر المحتملة، بما يساعد المؤسسات على الاستعداد للتحديات قبل وقوعها. كما يمكن توظيف ذكاء القرارات المستند إلى الذكاء الاصطناعي في حالات استخدام مثل تحسين المحافظ والتسعير.
AIOps، أو «الذكاء الاصطناعي لعمليات تقنية المعلومات»، يوظّف الذكاء الاصطناعي لأتمتة إدارة خدمات تكنولوجيا المعلومات وتبسيط مهام سير العمل التشغيلية فتطبيقات تكنولوجيا المعلومات وأدوات مراقبة الأداء ومكوّنات البنية التحتية تولّد كميات هائلة من البيانات. وتستطيع حلول AIOps فرز هذه البيانات لتحديد الأحداث والأنماط المهمة، وتشخيص الأسباب الأساسية، وإبلاغ فرق تكنولوجيا المعلومات وعمليات التطوير بها بهدف الاستجابة السريعة والمعالجة أو حتى الحلّ الآلي. على سبيل المثال، استخدمت شركة Electrolux تقنيات AIOps لخفض زمن حل مشكلات تقنية المعلومات من 3 أسابيع إلى ساعة واحدة، ووفّرت أكثر من 1000 ساعة سنويًا عبر أتمتة مهام الإصلاح.
يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدة الشركات على خفض تأثيرها البيئي من خلال تحسين استخدام الموارد وتحديد فرص كفاءة الطاقة وتقليل الهدر. ويسهم هذا النهج في خفض البصمة الكربونية للشركة ودعم مبادراتها الأوسع للحد من انبعاثات غازات الدفيئة. كما تُبسِّط تحليلات البيانات المتقدمة وأتمتة إعداد التقارير عملية إعداد تقارير الاستدامة والامتثال التنظيمي.
تتزايد أعداد الشركات التي تدمج الذكاء الاصطناعي في إدارة عملياتها. ومع استمرار التقدّم في الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات، سنتوقع أساليب أكثر تطورًا لدمج الذكاء الاصطناعي تُسهم في الارتقاء بالعمليات وتفتح مسارات جديدة لاكتساب ميزة تنافسية.
يُعدّ اختيار أدوات الذكاء الاصطناعي والحلول البرمجية المناسبة عنصرًا حاسمًا في أي تحوّل رقمي. فعلى سبيل المثال، يقدّم IBM® Maximo® Application Suite إدارةً ذكيةً للأصول والمراقبة والصيانة التنبؤية والموثوقية ضمن منصّة واحدة. وتستخدم IBM Sterling® Supply Chain Intelligence Suite قوة الذكاء الاصطناعي لتعزيز مرونة سلاسل التوريد واستدامتها. وتقدّم IBM كذلك مجموعةً متناميةً من حلول الذكاء الاصطناعي لمساعدة المؤسسات على إعادة تصوّر المستقبل وبناء ميزة تنافسية.