العدالة البيئية هي فكرة مفادها أن كل الناس -بغض النظر عن العِرق أو اللون أو أو الأصل القومي أو الاستطاعة أو الدخل- يجب أن يتمتعوا بنفس الدرجة من الحماية من المخاطر البيئية والصحية.
يُشار إليها أيضًا باسم "eco-justice"، وتركز العدالة البيئية على تحقيق المساواة البيئية. وتشجع السكان على المشاركة الهادفة في السياسات التي تشكِّل مجتمعاتهم والمعاملة العادلة في عمليات صنع القرار التي تضمن حماية البيئة.
هناك ثلاثة أنواع أو مبادئ للعدالة البيئية:
الظلم البيئي هو فكرة مفادها أن الضرر البيئي موزع بشكل غير عادل ويتأثر بأنماط العنصرية وعدم المساواة. يحدث الظلم البيئي عندما تتضرر المجتمعات ذات الدخل المنخفض أو المحرومة من الخدمات، ويثقل كاهلها بعوامل مثل النفايات السامة، واستخراج الموارد، واستخدامات الأراضي الأخرى التي لا يستفيد منها سكان تلك المجتمعات.
على سبيل المثال، من الأرجح أن تمر شبكة الطرق السريعة بين الولايات عبر مجتمع مهمش.1 في الأحياء ذات الأغلبية البيضاء والأثرياء، هناك عدد أكبر من الاستثمارات في البنية التحتية، وتُطبق القوانين البيئية، ومن المرجح أن تخضع الجهات المتسببة في التلوث للمساءلة. يرتبط قادة المجتمع في هذه المناطق أيضًا بعملية صنع القرار داخل مجالس تقسيم المناطق أو مجالس المدن، فيمكنهم حماية مصالحهم بشكل أفضل.
الظلم البيئي هو أيضًا قضية سلامة عامة. حيث قد يتعرض سكان الأحياء الواقعة بالقرب من المواقع الصناعية، ومحطات نقل النفايات، ومدافن النفايات، وغيرها من مصادر التلوث لمخاطر بيئية تشكِّل آثارًا صحية خطيرة.
كان الدافع الرئيسي لحركة العدالة البيئية هو أصحاب البشرة الملونة. يمكن أن ترجع هذه الحركة إلى الحركة البيئية للسكان الأصليين، وتمثل نضال الشعوب الأصلية من أجل السيادة وحقوق الأرض خلال أكثر من 500 عام من الاستعمار.
يُعتقد أن حركة العدالة البيئية الحديثة قد بدأت في الولايات المتحدة. بدأت شركة محولات في رالي بولاية كارولينا الشمالية بتخزين النفايات الصناعية التي تحتوي على ثنائي فينيل متعدد الكلور (PCBs) بشكل غير قانوني على طول الطرق الريفية في خمس عشرة مقاطعة من ولاية كارولينا الشمالية. في عام 1983، اختار مسؤولو الولاية مقاطعة وارن، وهي منطقة ريفية وفقيرة وأغلبية سكانها من ذوي البشرة السوداء، كموقع لتخزين التربة الملوثة بثنائي فينيل متعدد الكلور(PCB) من مواقع دفن النفايات غير القانونية. وكان لدى السكان مخاوف بشأن دخول المواد الكيميائية إلى إمدادات المياه.
وحظي القرار باهتمام دولي. انضمت المؤسسات الوطنية، مثل الجمعية الوطنية للنهوض بالملونين (NAACP)، إلى المتظاهرين المحليين المقيمين. استمرت المسيرات والاحتجاجات السلمية في الشوارع لمدة ستة أسابيع، واعتُقل 500 شخص، وهو ما يمثل أول اعتقالات في التاريخ بسبب موقع مكب نفايات. في حين فشلت الاحتجاجات في نهاية المطاف في إيقاف استخدام مكب النفايات، فقد استُشهد بالحدث على نطاق واسع؛ لكونه أول علامة بارزة في حركة العدالة البيئية.
انتشر هذا الحراك بسرعة على مستوى العالم. ومن الجدير بالذكر أن الزيادة الكبيرة في تصدير المواد الخطرة إلى بلدان الجنوب العالمي منذ ثمانينيات القرن الماضي قد ساهمت في انطلاق حركة العدالة البيئية الدولية، ما أدى إلى عقد أول قمة وطنية لقيادة البيئة لشعوب الملوّنين في واشنطن العاصمة عام 1991.
من نواحٍ كثيرة نشأت حركة العدالة البيئية من حركة الحقوق المدنية الأمريكية في ستينيات القرن العشرين. كما شارك العديد من المؤسسات والقادة الذين شاركوا في احتجاجات مقاطعة وارن في حركة الحقوق المدنية. كان هؤلاء القادة ينتمون في الغالب إلى الكنائس الأمريكية الأفريقية، مثل مؤتمر القيادة المسيحية الجنوبية، وكنيسة المسيح المتحدة.
عرَّف زعيم الحقوق المدنية، الدكتور Benjamin F. Chavis Jr.، العنصرية البيئية قائلًا: "الاختيار المتعمد لمرافق النفايات في المجتمعات التي يسكنها في الغالب أشخاص من ذوي البشرة الملونة، وعمال منخفضو الدخل، وعمال مهاجرون".
يوجد تداخل بين الحركتين؛ لأن السكان في أكثر البيئات تلوثًا في أمريكا، مثل حالة مقاطعة وارن، من المرجح أن يكونوا من ذوي البشرة الملونة والفقراء. وتكون عادةً قيم العقارات في هذه المناطق أقل بسبب تاريخ "الاستبعاد"، وهو حرمان المجتمعات الملونة من القروض والتأمين.يؤدي الاستبعاد إلى المزيد من المجتمعات الملونة التي تعيش في مناطق ذات مخاطر بيئية متزايدة. يواجه السكان أيضًا مخاطر صحية متزايدة، مثل ارتفاع معدلات الإصابة بالربو والسرطان وأمراض أخرى.
استجابةً لاحتجاجات مقاطعة وارن، درست لجنة المساواة العرقية وضع مرافق النفايات الخطرة في الولايات المتحدة، ووجدت أن العرق كان العامل الأهم في التنبؤ بوضع هذه المواقع. كما أظهرت دراسة مكتب محاسبة الحكومة لعام 1983 أن ثلاثة أرباع مواقع دفن النفايات الخطرة في ثماني ولايات في جنوب شرق الولايات المتحدة تقع بشكل أساسي في مجتمعات ذوي البشرة السوداء واللاتينيين وذوي الدخل المنخفض.2
يرتبط التعرض للأضرار البيئية، مثل التلوث، بالفقر. تعاني الدول الأكثر فقرًا من المزيد من الأضرار البيئية في حين تتسبب الدول ذات الدخل المرتفع في معظم التلوث.
يصنِّف المصطلحان "شمال العالم" و"جنوب العالم" منطقتين من العالم من حيث الجغرافيا والقوة الاقتصادية. تتمثل دول شمال العالم في الدول الغربية، وتكون عادةً مرتفعة الدخل، وتقع شمال خط الاستواء. ويُستخدَم مصطلح "جنوب العالم" لتعريف الدول منخفضة الدخل التي تقع جنوب خط الاستواء، وتكون في أغلب الأحيان مستعمرات سابقة لدول في شمال العالم.
مع تحقيق دول شمال العالم للسمات الرئيسية للاستدامة، أدت المزيد من اللوائح والأنظمة إلى زيادة تكلفة التخلص من النفايات. وردًا على ذلك، تصدِّر بعض الشركات والحكومات نفاياتها إلى دول في جنوب العالم التي تُعَد لوائحها أقل صرامة، ما يزيد بشكل كبير من العبء البيئي على المنطقة.
ويؤدي تغيُّر المناخ أيضًا إلى خلق حالات من الظلم البيئي.وتؤثر آثار تغير المناخ -مثل درجات الحرارة القاسية، وزيادة هطول الأمطار، وارتفاع مستوى سطح البحر- بشكل غير متناسب في المجتمعات ذات الدخل المنخفض. على سبيل المثال، أولئك الذين يعيشون في مناطق الفيضانات هم الأكثر عرضة للإقامة في الأحياء المحرومة من الخدمات.
يحمي القانون البيئي البيئة من خلال التحكم في كيفية تفاعل البشر مع البيئة والكائنات الحية. تهدف السياسة البيئية الحديثة إلى تحسين الجودة البيئية، والحفاظ عليها، وتقليل الآثار الضارة على صحة الإنسان.
تشمل القوانين البيئية قوانين بشأن تلوث الهواء، وجودة المياه، وإدارة النفايات، وتنظيف الملوثات، والسلامة الكيميائية. وعلى المستوى العالمي، تغطي الاتفاقيات الدولية الملزمة قانونًا العديد من القضايا البيئية. وتمثل البروتوكولات اتفاقات فرعية مبنية على معاهدة أولية، وأكثرها شهرة هو بروتوكول Kyoto. ويُلزم بروتوكول Kyoto الدول الأطراف بخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وقد نتج من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
هناك عوائق ذات صلة بالتكلفة تعترض سبيل قضايا العدالة البيئية، حيث إن الإجراءات تنطوي في أغلب الأحيان على التقاضي. كما أن الرسوم القانونية، على سبيل المثال، تشكل تحديًا لأولئك الذين يحاربون مخاوف العدالة البيئية. وفي أغلب الأحيان لا تمتلك مجتمعات الأقليات، التي تأثرت بالفعل بشكل غير متناسب، الموارد المالية للاعتراض على مواقع النفايات الخطرة أو التصدي لأوجه التباين الأخرى.
وفقًا للأطلس العالمي للعدالة البيئية (EJAtlas)، وقع 4,076 نزاعًا اجتماعيًا ناجمًا عن الظلم البيئي في جميع أنحاء العالم اعتبارًا من أبريل 2024.3 فيما يلي ثلاثة أمثلة فقط:
أدى التنقيب عن الموارد الطبيعية، مثل المعادن الثمينة والمهمة للغاية، إلى العديد من النزاعات البيئية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك إثيوبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية (DRC).
ارتبط التنقيب عن الغاز الطبيعي في حقل آرون للغاز في إندونيسيا بانتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة.
منحت الحكومة في بليز امتيازات نفطية للتنقيب عن النفط في البحر دون استشارة المجتمعات المحلية، ما أثر بشكل كبير في مصايد الأسماك المحلية وقطاع السياحة.
على مر السنين، عملت المئات من المؤسسات الشعبية للعدالة البيئية ومجموعات التوعية المجتمعية مع مختلَف الأطراف المعنية لتعزيز مبادرات العدالة البيئية، ووضع استراتيجية العدالة البيئية. والهدف، بشكل عام، هو إقامة وكالة للمجتمعات المهمشة لاتخاذ القرارات البيئية التي تؤثر في حياتها.
في الولايات المتحدة، وقّع الرئيس بايدن على الأمر التنفيذي رقم 1400 خلال أسبوعه الأول في البيت الأبيض الذي بدأ بأجندة سياسات العدالة البيئية الأكثر طموحًا على الإطلاق والتي اضطلعت بها الحكومة الفيدرالية، وهي: "معالجة أزمة المناخ في الداخل والخارج". يستند الأمر إلى الجهود التأسيسية للأمر التنفيذي رقم 12898: "الإجراءات الفيدرالية لمعالجة العدالة البيئية في مجتمعات الأقليات والسكان منخفضي الدخل" الذي اعتُمد لضمان عدم تأثير أي سياسة بيئية للوكالة الفيدرالية بشكل غير متناسب في المجتمعات المحلية للأقليات العرقية والمحرومة.
على الصعيد العالمي، تدعو حركة العدالة البيئية إلى معالجة الأمم المتحدة لقضايا الصحة البيئية. في عام 2022 في مدينة نيويورك، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السادسة والسبعين قرارًا للاعتراف "بالحق في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة"، لكن الحق في بيئة صحية لم يُضَف إلى إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.4
1 “Race and Ethnicity in the US by Dot Density (2020 Census)” , US Census Bureau, Esri, 23 August 2021.
2 “Siting of Hazardous Waste Landfills and Their Correlation with Racial and Economic Status of Surrounding Communities” , US Government Accountability Office, 14 June 1983.
3 “EJ Atlas – Global Atlas of Environmental Justice” , Geomatico, 2023.
4 “Resolutions of the 76th Session” , General Assembly of the United Nations, 22 December 2022.