ما المقصود بتعهيد عمليات الأعمال (BPO)؟

يستلزم تعهيد عمليات الأعمال التعاقد مع مقدم خدمة خارجي لتنفيذ وظيفة أو عملية من عمليات الأعمال. يُشار أحيانًا إلى تعهيد عمليات الأعمال باسم الخدمات المدعومة بتكنولوجيا المعلومات (ITES)، نظرًا إلى أنه في العصر الحديث، العمليات التي أُسندت إلى جهات خارجية غالبًا ما تعتمد على تكنولوجيا المعلومات.

طُبق تعهيد عمليات الأعمال لأول مرة في مجال التصنيع، حيث اكتسبت الشركات الكفاءات من خلال تعهيد مهام الأعمال المتعلقة بإدارة سلسلة التوريد. وفي الوقت الحالي، يُطبق تعهيد عمليات الأعمال في مجالات الرعاية الصحية وإدارة الأصول والطاقة والأدوية والتجارة الإلكترونية وغيرها من المجالات، حيث تستخدم الشركات طرقًا جديدة ومبتكرة لتحسين تجربة العملاء واكتساب مزايا تنافسية.

بشكل عام، تلجأ الشركات إلى تعهيد وظائف الأعمال غير الأساسية—وهي مهام على الرغم من أنها ضرورية للأعمال فإنها ليست جزءًا من قيمة الشركة الأساسية—كما أنها تتشابه عبر الشركات والمجالات. وتشمل وظائف المكتب الخلفي (وظائف الأعمال الداخلية) مثل المحاسبة وخدمات تكنولوجيا المعلومات والتوريد والمشتريات وضمان الجودة وإدارة الموارد البشرية. كما تشمل أدوار المكتب الأمامي (الموجهة إلى العملاء) مثل المبيعات أو التسويق أو دعم العملاء. وتستخدم هذه الأدوار أيضًا تقنيات أحدث مثل روبوتات المحادثة.

عادةً ما تلجأ الشركات إلى تعهيد الوظائف بشكل أساسي لخفض التكاليف وتوفير الوقت وتحسين الأداء. وتظل هذه المزايا هي الدوافع الأساسية لسوق تعهيد عمليات الأعمال، ولكن الاتجاه نحو التحول الرقمي دفع المزيد من الشركات إلى التطلع إلى ما هو أبعد من إستراتيجيات خفض التكاليف. يتزايد الاهتمام حاليًا بالوصول إلى التقنيات والخبرات غير المتوفرة بالشركة.

لقد أثر انتشار التقنيات الجديدة مثل أتمتة العمليات الآلية  والذكاء الاصطناعي في عمليات تعهيد عمليات الأعمال. لقد أدت هذه التطورات إلى تحقيق مستويات غير مسبوقة من الكفاءة والدقة وقابلية التوسع، ما جعل تعهيد عمليات الأعمال ميزة تنافسية للعديد من المؤسسات.

تعمل أتمتة العمليات الآلية على أتمتة المهام الروتينية والمهام القائمة على القواعد التي ينفذها البشر عادةً. وبفضل نشر روبوتات البرامج المبرمجة على محاكاة الإجراءات البشرية، تعمل أتمتة العمليات الآلية على تبسيط العمليات، ما يُمكّن الموظفين البشريين من التركيز على المهام الأكثر تعقيدًا. يؤدي تبسيط مهام سير العمل هذا إلى تقليل الأخطاء وتسريع تنفيذ العمليات.

تعمل التحليلات المتكاملة، التي تربط حلول معارف البيانات بسير العمل والتطبيقات اليومية، على تعزيز ذكاء الأعمال. التعلم الآلي (ML)، وهو أحد فروع الذكاء الاصطناعي، مخصص لاستخدام البيانات والخوارزميات لمحاكاة عمليات التعلم البشرية. يعكس هذا التحسين المستمر للدقة بمرور الوقت تطورًا كبيرًا في معالجة البيانات والتحليلات. يمكن للتعلم الآلي (ML) استخراج معارف قيمة من كميات هائلة من البيانات المنظمة وغير المنظمة، ما يؤدي إلى تحسين صناعة القرار.

وتستخدم التحليلات التنبئية، وهي فرع آخر من فروع الذكاء الاصطناعي، نماذج رياضية وإحصائية لتحديد أنماط البيانات وإجراء التنبؤات. توفر التحليلات المتكاملة رؤية أعمق للعمليات وتساعد على استكشاف الاتجاهات الناشئة. وهذا بدوره يُمكّن المؤسسات من اتخاذ قرارات مستنيرة قائمة على البيانات للبقاء في الصدارة.

في ظل الدور المحوري الذي تؤديه التكنولوجيا في نجاح الأعمال، تبحث المؤسسات عن شركاء ذوي خبرة في مجال الذكاء الاصطناعي والأتمتة والتقنيات الناشئة لتعهيد عمليات الأعمال. يمكن لهؤلاء الشركاء سد الفجوة التقنية ومساعدة المؤسسات على الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجالها.

يتطلب تحديد الوظائف المناسبة لتعهيد عمليات الأعمال (BPO) إدارة فائقة لعمليات الأعمال وفهمًا كاملاً للعمليات المؤسسية. عادةً ما يتضمن تعهيد وظيفة أو عملية الخطوات التالية:

يوفر تعهيد عمليات الأعمال مزايا قيمة للمؤسسات ويسمح بالتركيز بشكل أكبر على الأدوار التي تتطلب مهارات فائقة والأدوار المتخصصة الضرورية لتحقيق الأهداف الأساسية. وتتضمن هذه المزايا ما يلي:

• استكشاف الابتكارات. بصفتهم متخصصين في الخدمات التي يقدمونها، غالبًا ما يستثمر موردو تعهيد عمليات الأعمال في أحدث الحلول التقنية المتاحة للحفاظ على الميزة التنافسية وتقديم أكبر قيمة للعملاء. وذلك يسمح للشركات بالوصول إلى التقنيات المتطورة، مثل الذكاء الاصطناعي أو التحليلات المتقدمة أو حلول الأتمتة التي تُجري العمليات الأكثر تعقيدًا، مع تقليل التكاليف.
   

• تواجد عالمي فعال. يمكن لمقدمي خدمات التعهيد تقديم الخدمة على مدار الساعة للعملاء بلغات متعددة، ما يلغي حاجة المؤسسة إلى توظيف موظفين في المكتب المحلي. بالإضافة إلى ذلك، بالنسبة إلى المؤسسات التي تتطلع إلى التوسع، يمكن للشراكة مع أحد موردي تعهيد عمليات الأعمال في المنطقة أن تعزز فهم الأسواق المحلية وتساعد على تبسيط عملية التوسع.
   

• تعزيز الكفاءة والتوحيد. غالبًا ما يكون مقدمو خدمات تعهيد عمليات الأعمال متخصصين في عمليات الأعمال غير الأساسية، مثل معالجة المدفوعات أو مراكز الاتصالات أو المحاسبة. ومن ثَم، يمكنهم التعامل مع هذه العمليات بكفاءة وخبرة أكبر مما لو جرى التعامل مع هذه الخدمات داخل الشركة.
   

• زيادة التركيز على كفاءات الأعمال الأساسية. من خلال تعهيد الكفاءات غير الأساسية، تعمل المؤسسات على توفير الموارد. ومن ثَم يمكن إعادة توجيهها نحو عوامل التمايز في الأعمال التي تعزز القيمة وتمنح الشركة ميزة تنافسية.
   

• خفض التكاليف. في حين أن التكاليف العامة لا مفر منها، فإنه من خلال تعهيد مختلف الوظائف لموردين خارجيين، يمكن للمؤسسات تقليل تكاليف العمالة الداخلية المتعلقة بالتوظيف والتدريب. كما يمكنهم الاستفادة من خطط الدفع مقابل الخدمة التي تكون أقل تكلفة من تعيين موظفين بدوام كامل. ومن خلال التعهيد الخارجي، يمكن للمؤسسات الاستفادة من أسواق العمل منخفضة التكلفة والمزايا الضريبية لزيادة الأرباح.

يمكن تصنيف تعهيد عمليات الأعمال وفقًا لموقع شركة التعهيد المتعاقد معها ونوع الخدمة المقدمة.

• التعهيد القريب. في هذا النوع، يعمل المورد المتعاقد معه في دولة مجاورة، مثل شركة في الولايات المتحدة الأمريكية تعاقدت مع مورد في المكسيك على التعهيد.
  
  
• التعهيد الخارجي. ويحدث عندما تتعاقد مؤسسة مع مقدم خدمة في دولة أخرى غير مجاورة. على سبيل المثال، شركة ألمانية تتعاقد مع مرود في الفلبين.
  
  
• التعهيد الداخلي. يُشار إليها أيضًا باسم التعهيد الوطني أو المحلي، ويحدث عندما تعمل كل من المؤسسة ومقدم الخدمة في الدولة نفسها.

• تعهيد العمليات المعرفية (KPO). ويعني تعهيد أنشطة الأعمال الأساسية المتعلقة بالمعلومات إلى طرف خارجي، أو إلى مجموعة مختلفة داخل المؤسسة نفسها لديها خبرة في هذا المجال المحدد. وتشمل الأمثلة على خدمات تعهيد العمليات المعرفية البحث والتطوير (R&D)، وتحليل البيانات والتحليل التقني، والخدمات الاستشارية.
  
  
• تعهيد العمليات القانونية (LPO). تعهيد العمليات القانونية هو فرع من تعهيد العمليات المعرفية يتضمن تعهيد الأعمال القانونية رفيعة المستوى. وتشمل الأمثلة على ذلك صياغة ومراجعة الاتفاقيات القانونية وطلبات براءات الاختراع، والأبحاث القانونية، وتقديم المشورة للعملاء.
  
  
• تعهيد عمليات البحث (RPO). هو فرع آخر من فروع تعهيد العمليات المعرفية، ويعني تعهيد وظائف البحث والتحليل. ومن المؤسسات التي تشارك عادةً في تعهيد عمليات البحث شركات التكنولوجيا الحيوية وشركات الاستثمار.

يتطلب اختيار مقدم خدمات تعهيد عمليات الأعمال للمجالات المختلفة من أجل تلبية احتياجات المؤسسة من التعهيد تخطيطًا شاملاً. ويتمثل الهدف في اختيار مورد ميسور التكلفة يتمتع بالخبرة والمعرفة اللازمين. فيما يلي خطوات عامة يجب اتباعها عند تقييم واختيار مقدم خدمة تعهيد عمليات الأعمال:

• تحديد المتطلبات. يجب إشراك جميع الأطراف المعنية منذ البداية في اختيار المورد. وينبغي لكل قسم تحديد المتطلبات والتوقعات من حيث صلتها بالوظائف المراد تعهيدها. ينبغي أيضًا مراعاة الأهداف الرئيسية والمخاطر المتوقعة لتعهيد هذه الوظائف.
   

• نشر طلب تقديم العروض (RFP). طلب تقديم العروض هو مستند يصف طبيعة العمل ويدعو الموردين المؤهلين لتقديم العطاءات. وغالبًا ما تُذكر توقعات الدور وبنود العقد في طلب تقديم العروض.
   

• اختيار المورد. قيّم العروض. قيّم نقاط القوة والضعف لدى الموردين المختارين ومقارنتها بالمتطلبات والأهداف المعلنة، مع مراعاة أي قيمة إضافية يقدمها الموردون.
   

• التفاوض على العقد. بمجرد اختيار المورد، ابدأ في إتمام العقد. نظرًا إلى أن شروط العقد قد وردت بالتفصيل بالفعل في طلب تقديم العروض، فمن المفترض أن معظم البنود قد جرى الاتفاق عليها بالفعل. تأكد من أن معايير الخدمة والجداول الزمنية للتسليم واضحة لجميع الأطراف المعنية.
   

• نقل أحمال التشغيل وتقييم الأداء بانتظام. اتبع الخطة الموضوعة مسبقًا لنقل الخدمات إلى المورد. تواصل بانتظام مع الفرق الداخلية المعنية وكذلك مع مقدم الخدمة الخارجي للحفاظ على كفاءة عمليات الأعمال وتعزيز العلاقة التعاونية. راقب أداء المورد وقيّمه بالنظر إلى مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) المحددة في اتفاقية مستوى الخدمة، واستخدم هذه التقييمات لتحديد ما إذا كان ينبغي تجديد العقد أم لا.

على الرغم من أن تعهيد عمليات الأعمال يوفر العديد من المزايا، فإنه يعرض المؤسسات لبعض المخاطر أيضًا. يثير تعهيد عمليات الأعمال الخاصة بمؤسستك لمقدم خدمة خارجي تساؤلات حول جودة العمل وأمن البيانات ومدى التوافق مع ثقافة العمل، لا سيما عندما يكون مقدم الخدمة من مكان آخر في العالم. يمكن أن يتسبب تعهيد عمليات الأعمال في المخاطر التالية:

• حواجز التواصل. يمكن أن تؤدي الحواجز اللغوية إلى تقييد أنشطة الأعمال في التعهيد الخارجي، ما يؤدي إلى ضعف التواصل والتأخير في تقديم الخدمات.
  
  
• زيادة احتمالية حدوث اضطراب. عند اللجوء إلى التعهيد في بلدان أخرى، يمكن أن تتسبب مشكلات مثل عدم الاستقرار السياسي والكوارث الطبيعية في دولة مقدم الخدمة في تعطيل أنشطة أعمال المؤسسة.
  
  
• الاعتماد المفرط على مقدمي الخدمة الخارجيين. يمكن أن يؤدي العمل مع مورد واحد لتعهيد عمليات الأعمال لفترة طويلة من الزمن إلى الاعتماد المفرط على هذا المورد. يصبح المورد بشكل أو بآخر جزءًا من المؤسسة، وإذا لزم الأمر، فإن استبداله لن يكون بالأمر السهل دومًا. قد يستفيد المورد من هذه المعرفة لاستغلال هذا الموقف.
  
  
• مشكلات الامتثال التنظيمي. على الرغم من كونها أطرافًا خارجية، فإنه لا يزال يتعين على شركات تعهيد عمليات الأعمال الامتثال للمتطلبات التنظيمية للمؤسسة العميلة. تعرض المؤسسات نفسها لخطر فرض عقوبات من السلطات المختصة عند عدم الامتثال للوائح التنظيمية. قد يؤدي اختلاف ثقافات ومعايير مكان العمل إلى زيادة فرص عدم الامتثال، خاصةً عند تعهيد الامتثال في دولة أخرى.
  
  
• المشكلات الأمنية. غالبًا ما يتطلب تعهيد عمليات الأعمال مشاركة المعلومات الحساسة مع الموردين، ما يزيد من المخاطر الأمنية. تُجرى معظم الاتصالات وعمليات تبادل المعلومات عبر الإنترنت، وهي نقطة دخول حيوية للجهات الفاعلة الخبيثة. كما أنه على الرغم من بذل قصارى الجهود للامتثال للمعايير الأمنية، قد يكون من الصعب التأكد من أن المورد الخارجي يلتزم ببروتوكولات خصوصية البيانات والتدابير الأمنية أكثر من فريق العمل بالشركة. تختلف متطلبات الأمن وسياسات خصوصية البيانات باختلاف الدول، وهو ما قد يشكل تهديدًا لأمن البيانات في المؤسسات التي تلجأ إلى التعهيد في دول أخرى.
  
  
• التكاليف غير المتوقعة. لا تقدّر المؤسسات دائمًا تكلفة الخدمة المراد تعهيدها بدقة. ومن ثَم، يمكن تكبد بعض التكاليف غير المتوقعة وغير المباشرة بسبب تقلبات العملة، وترقيات الأجهزة أو البرامج، والتأخر في التسليم على سبيل المثال. ومن المهم مراعاة هذه التكاليف الخفية عند تقييم الآثار المالية المترتبة على التعهيد.